كتاب التمهيد - ابن عبد البر - ت بشار (اسم الجزء: 12)

قالوا: ففي ذلك دليلٌ على أنَّ من لا زوجَ لهُ، فهُو أيِّمٌ، ثيِّبًا كان أو بكرًا، رجُلًا كان أو امرأةً.
قال أبو عُمر: ذهبَ إلى هذا القول طائفةٌ ممن قال: لا نكاحَ إلّا بوليٍّ. وكل من قال: النِّكاح جائزٌ بغيرِ وليٍّ. وسَنُبين اختلافَ العُلماء في النِّكاح بغيرِ وليٍّ بعدَ هذا إن شاء الله.
ومعنى قوله - صلى الله عليه وسلم -: "الأيِّمُ أحقُّ بنفسها من وليِّها" - عند هذه الطّائفةِ القائلةِ: لا نِكاحَ إلّا بوليٍّ - أنَّه من عَدا الأبِ من الأولياء، وأنَّ الأبَ لم يُرَدْ بذلك، وممَّن قال بهذا: مالكٌ وأصحابه، وجماعة.
قال إسماعيلُ بن إسحاقَ: إنكاحُ غيرِ الأبِ، لا يجوزُ إلّا بأمرِ المرأةِ. قال: وأمّا الأبُ، فيَجُوز إنكاحُ ابنتِه البكرِ بغيرِ أمرها؛ لأنَّه غير مُتَّهم في ولدهِ، كما لا يُتَّهم في نفسهِ وماله، لأنَّ ولدَه هبة لهُ كسائرِ ماله، قال اللهُ عزَّ وجلَّ: {هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً} [آل عمران: ٣٨]. قال: {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ} [الأنبياء: ٧٢]، وليسَ غيرُ الأبِ من الأولياء كذلك، فلا يَجُوزُ لغيرِ الأبِ أن يُزوِّج وليَّتهُ إلّا بأمرها، قال - صلى الله عليه وسلم -: "الأِّم أحق بنفسِها من وليِّها" (¬١).
قال إسماعيلُ: والأيِّمُ: التي لا زوجَ لها، بالغًا كانت أو غيرَ بالغ، بكرًا كانت أم ثيِّبًا.
قال: ولم يدخُل الأب في جُملةِ الأولياء؛ لأنَّ أمرهُ في وَلدهِ، أجَلُّ من أن يَدخُلَ مع الأولياءِ الذين لا يُشبهونهُ، وليسَتْ لهم أحكامُه، ولو دخلَ في جُملة الأولياء، لما جازَ لهُ (¬٢) أن يُنكِحَ ابنتهُ الصَّغيرة، ثمَّ لا يكونُ لها خيارٌ عندَ بُلوغ ولا غيرهِ.
قال: وقد توهَّمَ قومٌ، أنَّ الأيِّمَ في هذا الحديث: الثَّيِّبُ.
---------------
(¬١) من قوله: "قال - صلى الله عليه وسلم -" إلى هنا لم يرد في الأصل.
(¬٢) شبه الجملة ليس في ت.

الصفحة 18