كتاب التمهيد - ابن عبد البر - ت بشار (اسم الجزء: 12)

وهو غلطٌ شديدٌ، وإنَّما تَوهَّموا ذلك حينَ خُصَّت البكرُ بأن إذنَها صُماتها، فظَنُّوا أنَّ الأيِّمَ هي الثَّيِّبُ، ولو كان الأمرُ كما توهَّموا، لكانت الثَّيِّبُ أحقَّ بنفسها من وليِّها، وكانت البكرُ ليست بأحقَّ بنفسها، وكان الاستئمارُ لها إنَّما هو على التَّرغيب في ذلك، لا على الإيجاب، إذا كانت ليسَتْ بأحقَّ بنفسها من وليِّها، وهذا الحديث إنَّما جاء في الأَيامَى جملةً، وكأنَّه، واللّهُ أعلم، إعلامٌ للنّاس إذا أُمِروا بإنكاح الأَيامَى في القُرآنِ، مع ما أُمِروا به من إنكاح العبيدِ والإماء، أنَّهُنَّ لسن بمَنزلةِ العبيدِ والإماء (¬١)، وأنَّهنَّ إنَّما يُنكِحُهنّ الأولياء بأمرهنَّ، وأنَّهنَّ أحقُّ بأنفسهنَّ، ولولا ذلك، لكان للأولياء أن ينكحوهنَّ بغيرِ أمرهنَّ، كما يُنكِحُ السَّيِّد أمتهُ (¬٢) وعبده بغيرِ أمرهما، إذ كان ظاهر القُرآن في اللَّفظ قد أُجْرِينَ فيه مجرًى واحدًا، قال اللهُ تبارك وتعالى: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} [النور: ٣٢] فأُمرُوا بإنكاح من لا زوجَ لهُ وهُنَّ الأيامَى، ولم يُؤمرُوا بإنكاح الثَّيِّب دُونَ البكرِ.
وذكرَ حديثَ سعيدِ بن المسيِّب، قال: آمَتْ حَفْصة من زوجها، وآمَ عُثمان من رقيَّة ... الحديثَ (¬٣).
وذكرَ حديث ابن أخي الزُّهْري، عن عمِّه، عن سالم، عن أبيهِ، عن عُمر، قال: آمَتْ حفصة من خُنيس بن حُذافة السَّهمي ... الحديثَ (¬٤).
ثمَّ قال: حدَّثنا الحَوْضي وسُليمان بن حرب، قالا: حدَّثنا شُعبةُ، عن أبي إسحاقَ، عن هانئ بن هانئ، قال: رأيتُ امرأةً جاءت إلى عليٍّ رضوان الله عليه،
---------------
(¬١) قوله: "أنهنّ لسن بمنزلة ... والإماء" لم يرد في ت.
(¬٢) في ت: "ابنته".
(¬٣) سلف تخريجه قريبًا.
(¬٤) سلف تخريجه قريبًا والتعليق عليه.

الصفحة 19