كتاب التمهيد - ابن عبد البر - ت بشار (اسم الجزء: 12)

كُفءٍ بغير إذنهِ، دليلٌ على أنَّ له حقًّا في الإنكاح بالكُفءِ وغير الكُفءِ؛ لأنَّ الكُفءَ وغير الكُفءِ في ذلك سواءٌ، واللّه أعلم.
ولا خلافَ بين (¬١) أبي حنيفةَ وأصحابِه، أنَّه إذا أذِنَ لها وليُّها، فعقدَت النِّكاح لنفسها، جازَ.
وقال الأوزاعيُّ: إذا ولَّتْ أمْرَها رَجُلًا، فزوَّجها كُفئًا، فالنِّكاحُ جائزٌ، وليسَ للوليِّ أن يُفرِّقَ بينهُما، إلّا أن تكونَ عربيَّةً تزوَّجت مولًى.
وحملَ القائلونَ بمذهبِ الزُّهْري، والشَّعبي، وأبي حنيفةَ، والأوزاعيِّ، قولَه - صلى الله عليه وسلم -: "لا نِكاحَ إلّا بوليٍّ" على الكمالِ، لا على الوجُوبِ، كما قال: "لا صلاةَ لجارِ المسجدِ إلّا في المسجدِ" (¬٢). و: "لا حظَّ في الإسلام لمن تركَ الصَّلاةَ" (¬٣). ونحو هذا.
وهذا ليسَ بشيءٍ؛ لأنَّ النَّهي حقُّه أن يُمتثَلَ الانتهاءُ عنه، ومعناهُ الزَّجرُ والإبعادُ، والوجوبُ لا يخرجُ عن ذلك إلّا بدليلٍ لا مُعارضَ له، ولولا ذلك لم تصحَّ عبادةٌ ولا فريضةٌ.
وقد أوضَحنا هذا البابَ في غيرِ موضع من هذا الكتابِ، والحمدُ الله.
وقال مالكٌ (¬٤)، فيما ذكر ابن القاسم وغيره عنه: إذا كانَت المرأةُ مُعتَقةً أو مسكينةً دنيَّةً لا خطبَ لها، أو المرأةُ تكونُ في قريةٍ لا سُلطانَ فيها، فلا بأسَ أن تستخلفَ رجُلًا يُزوِّجها، ويجوز.
قال مالكٌ (¬٥): وكلُّ امرأةٍ ذات نسبٍ وغنًى وقدرٍ، فإنَّ ذلك لا ينبغي أن
---------------
(¬١) في ي ١، ت: "عن".
(¬٢) أخرجه الدارقطني في سننه ٢/ ٢٩٢ (١٥٥٣)، والحاكم في المستدرك ١/ ٢٤٦، والبيهقي في الكبرى ٣/ ٥٧، من حديث أبي هريرة
(¬٣) هو في الموطأ ٣/ ٨١ (٩٣) من قول عمر.
(¬٤) انظر: المدونة ٢/ ١١٢.
(¬٥) انظر: المدونة ٢/ ١١٢. وكذا ما بعده.

الصفحة 31