كتاب التمهيد - ابن عبد البر - ت بشار (اسم الجزء: 12)

رَوَى ابنُ وَهْب، عن مالكٍ، قال: الابنُ أولى بإنكاح أُمِّه من أبيها، وبالصَّلاةِ عليها إذا ماتَتْ، والأخُ أولى بإنكاح أُختهِ من الجدِّ، وبالصّلاةِ عليها إذا ماتَتْ (¬١).
قال: وسمعتُ مالكًا، يقول: في الثِّيب يُنكحها وليٌّ دونه وليٌّ. قال: إن كان بأمرها نظرَ في ذلك الوليُّ، فإن رأى سدادًا أجازَ.
قال ابنُ وَهْبٍ: وقال مالكٌ، في الرُّجل يُزوِّج (¬٢) المرأة من قومهِ، ولها وليٌّ غائبٌ: إنَّ ذلك النِّكاحَ لا يَجُوزُ، وإنَّه يفسَخُ، إلّا أن يَرَى السُّلطانُ أنَّ ذلك النِّكاحَ حسنٌ لا بأسَ به. فقيل لمالك: فالرَّجُل يُزوِّج أُختَه، وأبوه غائبٌ؟
فقال: لا يُنكحُها حتَّى يكتُبَ إلى أبيهِ.
قال إسماعيلُ بن إسحاقَ: قال مالكٌ في هذا الباب أقاويلَ، يظنُّ من سَمِعها أنَّ بعضها يُخالفُ بعضًا، وجُملة هذا الباب: أنَّ اللهَ تباركَ وتعالى أمرَ بالنِّكاح، وحضَّ عليه الرَّسولُ - صلى الله عليه وسلم -، وجعلَ اللهُ المؤمنينَ بعضَهم لبعضٍ أولياء، فقال تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [التوبة: ٧١] والمؤمنونَ في الجُملةِ هكذا يرثُ بعضُهم بعضًا، فلو أنَّ رَجُلًا ماتَ لا وارثَ له، لكانَ ميراثُه للمُسلمينَ، ولو جَنَى جنايةً، لعقَلَ عنه المسلمونَ، ثمَّ تكونُ ولايةٌ أقربَ من ولايةٍ، وقرابةٌ أقربَ من قراية، فإنَّما يَجُوزُ النِّكاح على جهتهِ، وبمن (¬٣) هو أولى بالمرأةِ، وبمن لو تَشاجَرُوا وتَرافعوا إلى الحاكم، لجعلَ أمرَ المرأة إلى ذلكَ الرَّجُل، فإذا كانت المرأة بمَوضع لا سُلطانَ فيه، ولا وليَّ لها، فإنَّها تُصيِّرُ أمرها إلى من يُوثَقُ به من جيرانها، فيُزوِّجها، ويكونُ هو وَليَّها في هذه الحال؛ لأنَّ النّاسَ لا بُدَّ لهم من التَّزويج، وإنَّما يعملونَ فيه بأحسنِ ما يُمكن.
---------------
(¬١) قوله: "والأخ أولى بإنكاح أخته من الجد، وبالصلاة عليها إذا ماتت" سقط من الأصل، قفز نظر.
(¬٢) في ي ١، د ٢، ت: "يتزوج".
(¬٣) في ت: "ولمن". وكذا ما بعدها.

الصفحة 33