كتاب التمهيد - ابن عبد البر - ت بشار (اسم الجزء: 12)

وعلى هذا قال مالكٌ في المرأةِ الضَّعيفةِ الحالِ: إنّه يُزوِّجها من تُسندُ أمرَها إليه، لأنَّها ممَّن تضعف عن السُّلطان، وأشبهَتْ من لا سُلطانَ بحَضْرتها، ورجعَتْ في الجُملة إلى أنَّ المسلمينَ أولياؤها، ولذلك قال مالكٌ في المرأةِ التي لها أولياء، إنّهُ يُزوِّجها ذو الرَّأي منهم، وإن كان أبعدَ إليها من غير، على ما قال عُمر بن الخطّاب: لا تُنكحُ المرأة إلا بإذنِ وليِّها، أو ذي الرَّأي من أهلها، أو السُّلطانِ (¬١).
لأنَّ ذلك وجهٌ من وجُوهِ إنكاحها، بل هو أحسنُه، لأنَّه لو رُفِعَ إلى الحاكم أمرُها، لأسنَده إلى ذلك الرَّجل.
قال إسماعيلُ: وإذا صيَّرت المرأةُ أمرَها إلى رجُل، وتركتِ الأولياءَ، فإنَّها أخذت الأمرَ من غيرِ وجههِ، وفعلَتْ ما يُنكره الحاكم عليها، ويُنكره المسلمونَ، فيفسَخُ ذلك النِّكاحُ من غيرِ أن يُعلمَ حقيقةُ أنَّه حرامٌ لما وصَفْنا من أنَّ المؤمنيَن بعضهُم أولياءُ بعض، ولما في ذلك من الاختلافِ، ولكن لتناولِها الأمرَ من غيرِ وجههِ، ولأنَّه أحوطُ في الفُروج وتَحْصينها، فإذا وقعَ الدُّخولُ، وتطاولَ الأمرُ لم يُفسَخْ، لأنَّ الأُمورَ إذا تفاوتت، لم يُرَدَّ منها إلّا الحرامُ الذي لا شكَّ فيه، ويُشبه ما فاتَ من ذلك بحُكم الحاكم إذا حكَمَ بحُكم لم يفسَخْ، إلّا أن يكون خطأً لا يُشَكُّ فيه، فأمّا ما يجتهدُ فيه الرَّأي، وفيه الاختلافُ، فإنَّه لا يفسَخُ، ولا يُرَدُّ من رأيٍ إلى رأيٍ.
وقد كان يُشبه على مذهب مالك، أن يكون الدُّخول فوتًا، وإن لم يتطاول، ولكنِّي أحسبُه احتاطَ في ذلك، لئلّا يجترئ (¬٢) النّاسُ على التَّزويج بغيرِ وليٍّ، ويَسْتعجلوا (¬٣) الدُّخولَ ليجوزَ لهم.
---------------
(¬١) أخرجه مالك في الموطأ ٢/ ٢٩ (٤٩٤).
(¬٢) في م: "تجري".
(¬٣) في م: "ويستعجلون".

الصفحة 34