كتاب التمهيد - ابن عبد البر - ت بشار (اسم الجزء: 12)

قال: وأمّا ما قال مالكٌ، أنَّ المرأة إذا زوَّجها غيرُ وليٍّ، ففسَخَهُ الحاكم، أنَّها تَطْليقة. فإنَّما قال ذلك، لما وصَفْنا أنَّه ليسَ يَعلَمُ حَقِيقةَ أنَّه حرامٌ، ولو كان يعلمُ حَقِيقةَ أنَّه حرام، لكانَ فسخًا بغيرِ طلاقٍ، ولم يكن عندَ ابن القاسم، عن مالكٍ، في المرأةِ إذا تزوَّجت بغيرِ إذنِ وليِّها ثمَّ ماتَ أحدهما، جوابٌ في توارثهما، وقال: كان مالكٌ يَسْتحب أن لا يُقام على ذلك النِّكاح، حتَّى يبتدئَ النِّكاحَ جديدًا، ولم يكن يحقِّقُ فساده.
قال إسماعيلُ: والذي يُشبه عندي على مذهبِ مالك، أنَّ هذين يَتَوارثان إن ماتَ أحدُهُما؛ لأنَّ الفسخَ يقعُ عندهُ بطلاقٍ، والنِّكاح ثابت حتَّى يُفرَّق بينهُما.
وقد ذكرَ أبو ثابتٍ، أنَّ ابن القاسم كان يَرَى أنَّ بينهُما الميراثَ، لو ماتَ أحدهما قبلَ أن يفسَح النِّكاح.
فهذه جُملة مذهب مالك، ووجُوههِ في النِّكاح بغيرِ وليٍّ.
ومذهبُ اللَّيث بن سعدٍ (¬١) في هذا الباب نحو مذهب مالك.
وأمّا الشّافعيُّ وأصحابه، فالنِّكاح عندهُم بغيرِ وليٍّ مفسُوخ أبدًا قبلَ الدُّخولِ وبعدهُ، ولا يَتَوارثانِ إن ماتَ أحدهما، والوليُّ عندَهُم من فرائضِ النِّكاح، لقيام الدَّليلِ عندهُم من الكتابِ والسُّنَّة على أن لا نِكاحَ إلّا بوليٍّ.
قال اللهُ عزَّ وجلَّ: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ} [النور: ٣٢]، كما قال: {فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ} [النساء: ٢٥]. وقال مُخاطبًا الأولياء: {فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} [البقرة: ٢٣٢]. وقال - صلى الله عليه وسلم -: "لا نِكاحَ إلّا بوليٍّ". وقال - صلى الله عليه وسلم -: "أيُّما امرأةٍ نكحَتْ بغيرِ إذنِ وليٍّ، فنكاحُها باطلٌ" (¬٢).
---------------
(¬١) في م: "بن سعيد"، خطأ. وهو الليث بن سعد بن عبد الرحمن الفهمي، أبو الحارث المصري.
انظر: تهذيب الكمال ٢٤/ ٢٥٥.
(¬٢) سلف تخريجه في هذا الباب.

الصفحة 35