كتاب التمهيد - ابن عبد البر - ت بشار (اسم الجزء: 12)

ولما قال - صلى الله عليه وسلم -: "الأيِّمُ أحقُّ بنفْسِها من وليِّها" (¬١). دلَّ على أن غيرَ الأيِّم وليُّها أحقُّ بها منها، وكأنَّ الفرق بينَهُما في الإذنِ عندَهُ الأبُ، على ما ذكَرْنا من مذهبِ الشّافعيِّ في ذلك.
فلهذا كلِّه قال الشّافعيُّ وأصحابه: إنَّ النِّكاحَ بغيرِ وليٍّ باطل، مفسوخٌ أبدًا، وفسخُه بغيرِ طلاقٍ.
ولم يُفرِّقوا بين الدَّنيَّةِ الحالِ، وبين الشَّريفة، لإجماع العُلماء على أنْ لا فرقَ بينهُما في الدِّماء.
وقال - صلى الله عليه وسلم -: "المُسلمونَ تَتَكافأ دِماؤُهم" (¬٢). وهذا على {الْحُرُّ بِالْحُر} [البقرة: ١٧٨]. وسائرُ الأحكام كذلك ليس في شيءٍ منها فرقٌ بين الوَضيع والرَّفيع في كتابٍ ولا سُنَّةٍ.
وقال الشَّافعيُّ (¬٣): لا ولايةَ لأحدٍ مع الأبِ، فإن ماتَ، فالجدُّ، ثمَّ أبو الجدِّ، ثمَّ أبو أبي الجد كذلك؛ لأنَّ كلهم أب، والثَّيبُ والبكرُ في ذلك سواء، لا تنكحُ واحدةٌ منهما بغيرِ وليٍّ.
إلّا أنَّ الثَّيب لا يُنكحُها أبٌ ولا غيره إلّا بأمرها، ويُنكِحُ الأبُ البكرَ من بناتهِ بغيرِ أمرها، لأنَّه أحقُّ بها من الثَّيبِ على ما قدَّمنا، والولاية بعد الجدِّ، وإن علا، للإخوةِ، ثمَ الأقرب فالأقرب.
قال المُزَنيُّ: قال في الجديدِ: من انفردَ بأُمٍّ، كان أولى بالإنكاح، كالميراثِ. وقال في القديم: هُما سواءٌ.
---------------
(¬١) سلف تخريجه أيضًا في هذا الباب.
(¬٢) سيأتي بإسناده في شرح الحديث الثامن لأبي النضر، وهو في الموطأ ١/ ٢١٧ (٤١٦). وانظر تخريجه في موضعه.
(¬٣) في الأم ٥/ ١٤. وانظر: مختصر اختلاف العلماء ٢/ ٢٥٤ وما بعدها، وانظر فيه ما بعده.

الصفحة 36