كتاب التمهيد - ابن عبد البر - ت بشار (اسم الجزء: 12)

وقال الثَّوريُّ، كقولِ الشّافعي: الأولياء العَصَبة.
وقال أبو ثورٍ: كلُّ من وقعَ عليهِ اسمُ وليٍّ، فلهُ أن يُنكِحَ.
وهو قولُ محمد بن الحسنِ.
حدَّثنا أحمد بن محمدٍ، قال: حدَّثنا الحسنُ بن سلَمةَ، قال: حدَّثنا ابن الجارود، قال: حدَّثنا إسحاقُ بن منصورٍ، قال: قلتُ لأحمدَ بن حنبلٍ: إذا تزوَّجها بغيرِ وليٍّ، ثمَّ طلَّقها؟ قال: أحتاطُ لهذا (¬١) وأُجيزُ طلاقَهُ.
وقال إسحاقُ: كلَّما طلَّقها، وقد عُقِدَ النِّكاح بلا وليٍّ، لم يقَعْ عليها طلاق، ولا يقع بينهُما ميراثٌ؛ لأنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "فنكاحُها باطلٌ" ثلاثًا. والباطلُ مَفْسوخٌ، لا يحتاجُ إلى فسخ حاكم ولا غيرِهِ.
وأمّا أبو حنيفةَ (¬٢) وأصحابُهُ، فليسَ الوليُّ عندهُم من أركانِ النِّكاح، ولا من فَرائضهِ، وإنَّما هو لئلّا يلحَقَه عارُها، فإذا تزوَّجت كُفئًا، جازَ النِّكاح، بكرًا كانت أو ثيِّبًا.
وقال أصحابُ أبي حنيفةَ: قولُ رسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -: "الأيِّمُ أحقُّ بنفسها" فيه دليلٌ على أنَّ لها أن تُزوِّج نفسها، لأنَّه لم يَقُل: إنَّها أحقُّ بنفسها في الإذنِ دُونَ العَقدِ. ومن ادَّعى أنَّه أرادَ الإذنَ دونَ العقدِ، فعليه الدَّليل.
قالوا: والأيِّمُ كلُّ امرأةِ لا زوجَ لها، بكرًا كانت أو ثيِّبًا. قالوا: فالمرأةُ إذا كانت رشيدةً، جازَ لها أن تَلِي عقدَ نكاحها، لأنَّه عقدٌ أكسَبَها مالًا، فجازَ أن تتولّاه بنفسها، كالبيع والإجاراتِ. قالوا: وقد أضافَ اللهُ عزَّ وجلَّ، النِّكاحَ إليها بقوله: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: ٢٣٠]، وبقوله: {أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ}
---------------
(¬١) في ت: "لها".
(¬٢) انظر: مختصر اختلاف العلماء ٢/ ٢٤٧، والاستذكار ٥/ ١٩٦. وانظر فيهما أيضًا ما بعده.

الصفحة 37