كتاب التمهيد - ابن عبد البر - ت بشار (اسم الجزء: 12)

[البقرة: ٢٣٢]، وبقوله: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: ٢٣٤] (¬١).
وأمّا مالك وأصحابه، فهذا الحديث، عندَهُم، إنَّما هو في اليَتيمةِ، بكرًا كانت أو ثيِّبًا، والوليُّ عندَهُم، من عدا الأبَ هاهنا، وقد مضى هذا القولُ ووجهه، فلا معنى لإعادتهِ.
فما تأوَّله أصحابُ أبي حنيفةَ في هذا الحديثِ فغيرُ مُسَلَّم لهم (¬٢).
وأمّا احتجاجُهم بقوله: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: ٢٣٠]، فإنَّما هذا على ما يجبُ من النِّكاح الذي أمرَ اللهُ عزَّ وجلَّ ورَسُولهُ، ومنه الوليُّ، والصَّداقُ، وغيرُ ذلك.
وفي هذه المسألةِ كلامٌ كثيرٌ، واعتراضٌ طويلٌ لكلِّ فريقٍ من هؤلاء على صاحبهِ يَطُولُ ذكره، ولو أتَيْنا به، لخرجنا عن شرطنا، وإنَّما غرضُنا التَّعريف لما (¬٣) في الحديث من المعاني التي جَعلَها الفُقهاء أُصولًا في أحكام الدِّيانة، ليُوقَف على الأُصولِ وتُضبط.
وأمّا الاعتلالُ والفُروعُ والجِدالُ، فتَقْصر عن حَملِ ذلك الأسفارُ، والمُصنَّفات الطِّوالُ.
وقال داود وأصحابه في قوله: "الأيِّمُ أحقُّ بنفسها من وليِّها": هي الثَّيِّب، ولها أن تُزوِّجَ نفسَها بغيرِ وليٍّ، والبكرُ يُزوِّجها وليُّها، ولا تتزوَّج بغيرِ وليٍّ، لقوله: "لا نِكاحَ إلّا بوليٍّ". وهذا على الأبكارِ خاصَّة، بدليلِ قوله: "الثَّيِّبُ أحقُّ بنفسها".
---------------
(¬١) جاء في بعض النسخ بعد هذا: "قال أبو عمر: أمّا قولُه - صلى الله عليه وسلم -: "الأيِّمُ أحقُّ بنفسِها من وَليِّها". فإنَّما وردَ للفرقِ بين حُكم الثَّيِّب والبكرِ في الإذنِ. هذا هو قولُ الشّافعي وغيره ممَّن يقولُ: إنَّ الولي هاهنا، الأب" ولم يرد هذا النص في الأصل، د ٢، ت ..
(¬٢) شبه الجملة لم يرد في ت.
(¬٣) في م: "بما".

الصفحة 38