كتاب التمهيد - ابن عبد البر - ت بشار (اسم الجزء: 12)

الأبَ ليسَ كسائرِ الأولياء، بدليلِ تَصرُّفه في مالها، ونظرهِ لها، وأنَّه غير مُتَّهم عليها، ولو لم يَجُزْ لهُ أن يُزوِّجها وهي بكرٌ بالغٌ إلّا بإذنها، ما جازَ له أن يُزوِّجها صغيرةً، كما أنَّ غير الأبِ لمّا لم يكُن لهُ أن يُزوِّجها بكرًا (¬١) بالغًا إلّا بإذنها، لم يكن له أن يُزوِّجها صغيرةً، فلو احتيجَ إلى إذنها في الأبِ، ما زوَّجها حتَّى تكون ممَّن لها الإذن بالبُلوغِ، فلمّا أجمعُوا على أنَّ للأبِ أن يُزوِّجها صغيرةً، وهي لا إذنَ لها، صحَّ بذلك أنَّ له أن يُزوِّجها بغيرِ إذنها، كائنةً ما كانت بكرًا؛ لأنَّ الفرقَ إنَّما وردَ بين الثَّيِّب والبكرِ، على ما قدَّمنا.
ومن حُجَّتهم أيضًا قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تُنكح اليتيمةُ إلّا بإذنها" (¬٢)؛ لأنَّ فيه دليلًا على أنَّ غير اليتيمةِ تُنكَحُ بغيرِ إذنها، وهي البكرُ ذاتُ الأبِ.
وكذلك قولُه: "الثَّيِّب أحقُّ بنفسها" فيه دليلٌ على أنَّ البكرَ وليُّها أحقُّ منها، وهو الأبُ.
حدَّثنا محمدُ بن عبدِ الملكِ، قال: حدَّثنا أحمدُ بن محمدِ بن زِيادٍ، قال: حدَّثنا الحسنُ بن محمدٍ الزَّعفرانِيُّ، قال: حدَّثنا أسباطُ بن محمدٍ، عن محمدِ بن عَمرٍو، عن أبي سَلَمةَ، عن أبي هريرةَ، قال: قال رسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "تُسْتأمرُ اليتِيمةُ، فإن سكتَتْ فهُو رِضاها، وإن أبَتْ فلا جَوازَ عليها" (¬٣).
---------------
(¬١) من هنا إلى قوله: "صغيرة" الآتية في السطر نفسه، سقط من ت.
(¬٢) سيأتي بإسناده لاحقًا، وانظر تخريجه في موضعه.
(¬٣) أخرجه البيهقي في الكبرى ٧/ ١٢٠، من طريق أحمد بن محمد بن زياد بن الأعرابي، به.
وأخرجه عبد الرزاق في المصنَّف (١٠٢٩٧)، وأحمد في مسنده ١٢/ ٤٩٦، و ١٦/ ١٣٣ (٧٥٢٧، ١٠١٤٦)، وأبو داود (٢٠٩٣، ٢٠٩٤)، والترمذي (١١٠٩)، والبزار في مسنده ١٤/ ٣٢٤ (٨٩٨٤)، والنسائي في المجتبى ٦/ ٨٧، وفي الكبرى ٥/ ١٧٤ (٥٣٦٠)، وأبو يعلى (٧٣٢٨)، وابن حبان ٩/ ٣٩٢، ٣٩٦ (٤٠٧٩، ٤٠٨٦) من طريق محمد بن عمرو، به. واقتصر الترمذي على تحسينه، وانظر بعد قول المؤلف فيه. وانظر: المسند الجامع ١٧/ ٢١٨ (١٣٥٣٠).

الصفحة 41