كتاب التمهيد - ابن عبد البر - ت بشار (اسم الجزء: 12)

قالوا: ففي قوله: "تُستأمَرُ اليَتيمةُ" دليلٌ على أنَّ غيرَ اليَتِيمةِ لا تُستأمَرُ، وهي ذاتُ الأبِ، إذا كانت بكرًا، بدليل قوله - صلى الله عليه وسلم -: "الثَّيِّبُ أحقُّ بنَفسِها".
وقال أبو حنيفةَ وأصحابُه والثَّوريُّ والأوزاعيُّ والحسن بن حيٍّ وأبو ثورٍ وأبو عُبيد: لا يجُوزُ للأبِ أن يزوِّج البالغَ من بناتهِ، بكرًا كانت أو ثيِّبًا، إلّا بإذنها (¬١).
ومن حُجَّتهم قولُه - صلى الله عليه وسلم -: "الأيِّم أحقُّ بنفسِها". قالوا: والأيِّم هي التي لا بعلَ لها، وقد تكون ثيِّبًا وبكرًا، فكلُّ أيِّم على هذا، إلّا ما خصَّته السُّنَّة، ولم تخُصَّ من ذلك إلّا الصَّغيرةَ، وَحْدهُ يُزوِّجها أبوها بغيرِ إذنها؛ لأنه لا إذنَ لمثلها.
وقد ثبتَ أنَّ أبا بكر الصِّديق رضي اللهُ عنه زوَّجَ عائشة ابنتَهُ من رسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - وهي صغيرةٌ لا أمرَ لها في نفْسِها (¬٢)، فخرجَ الصِّغار من النِّساء بهذا الدَّليل.
وقالوا (¬٣): الوليُّ هاهنا كلُّ وليٍّ، أبٍ وغير أبٍ، وهو حقُّ الكلام أن يُحمل (¬٤) على ظاهرهِ وعُمومهِ، ما لم يرد ما يخُصُّه ويُخرجهُ عن ظاهرهِ.
واحتَجُّوا أيضًا بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تُنكح البكرُ حتَّى تُستأذنَ" (¬٥). قالوا: فهذا على عُمومهِ في كلِّ بكرٍ، إلّا الصَّغيرة ذات الأبِ، بدليلِ قِصَّة عائشة رضي الله عنها، وإجماعِهِم على أنَّ ذلك صحيحٌ عنه - صلى الله عليه وسلم -.
واحتَجُّوا أيضًا بحديثِ ابن عبّاسٍ: أنَّ رجلًا زوَّجَ ابنتَه، وهي بكرٌ، فأبَتْ وجاءت النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم -: فرَدَّ نكاحَها.
---------------
(¬١) انظر: مختصر اختلاف العلماء للطحاوي ٢/ ٢٥٥ (٧٢١)، والاستذكار ٥/ ٤٠٢.
(¬٢) سيأتي بإسناده لاحقًا، وانظر تخريجه في موضعه.
(¬٣) لم ترد هذه الفقرة في ت.
(¬٤) في م: "يجعل".
(¬٥) سيأتي بإسناده لاحقًا، وانظر تخريجه في موضعه.

الصفحة 43