كتاب التمهيد - ابن عبد البر - ت بشار (اسم الجزء: 12)

والانتِصارِ بالحقِّ، وهُو نحوُ قولِهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أدِّ الأمانةَ إلى منِ ائتمنكَ، ولا تخُن من خانكَ" (¬١).
وهذا معناهُ عِندَ أهلِ العِلم: لا تخُن من خانكَ، بعدَ أنِ انتصرتَ منهُ في خِيانتِهِ لك.
---------------
(¬١) أخرجه الدارمي (٢٦٠٠)، وأبو داود (٣٥٣٥)، والترمذي (١٢٦٤)، والبزار في مسنده ١٥/ ٣٨٩ (٩٠٠٢)، والطحاوي في شرح مشكل الآثار ٥/ ٩١ (١٨٣١)، والطبراني في الأوسط (٣٥٩٥)، والحاكم في المستدرك ٢/ ٤٦، والبيهقي في الكبرى ١٠/ ٢٧١، من حديث أبي هريرة.
وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب. قال بشار: وهذا اصطلاح الترمذي في الحديث المعلول، فهو ليس من تحسين المتأخرين، وقد صححه العلّامة الألباني في "صحيح الترمذي" وغيره، وحسّنه في سلسلة الأحاديث الصحيحة (٤٢٣)، وعاب عليه العلّامة الشيخ شعيب الأرنؤوط تصحيحه وحسّن تحسينه، كما في تعليقه على شرح مشكل الآثار، وكلاهما لم يشر إلى إنكار أبي حاتم الرازي لهذا الحديث فقد قال ابنه في العلل (١١١٤): "وسمعت أبي يقول: طلق بن غنام هو ابن عم حفص بن غياث، وهو كاتب حفص بن غياث، روى حديثًا منكرًا عن شريك وقيس، عن أبي حصين، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أدِّ الأمانة. . . قال أبي: ولم يرو هذا الحديث غيره". وكأن البخاري حينما ذكر هذا الحديث في ترجمة طلق بن غنام من تاريخه الكبير (٤/ الترجمة ٣١٤٢) أشار إلى مثل هذا، ونقل الذهبي في ترجمته من الميزان (٢/ الترجمة ٤٠٢٦) قول أبي حاتم في حديثه المنكر هذا. وقد ساق العلّامة الألباني في صحيحه شواهد ضعيفة له، لكن قال ابن الجوزي: "هذا الحديث من جميع طرقه لا يصح" (العلل المتناهية ٢/ ٥٩٣). وهو كما قال، وإن اتهمه العلّامة الألباني بالمبالغة، فقد نقل الحافظ ابن حجر في تلخيص الحبير ٣/ ١١٢: قال الشافعي: "هذا الحديث ليس بثابت" ثم قال: "ونُقِل عن الإمام أحمد أنه قال: "هذا حديث باطل لا أعرفه من وجه يصح"، فلو لم يكن في هذا الحديث سوى قول الإمامين أحمد وأبي حاتم لكفى في رده. أما من ضعّفه بسبب سوء حفظ شريك وقيس، فإنه ليس هو المراد، وإن كانا متهمين بسوء الحفظ، فإنه مما استنكر على طلق بن غنام الثقة، وهو الذي أشار إليه البخاري في تاريخه الكبير.

الصفحة 532