كتاب التمهيد - ابن عبد البر - ت بشار (اسم الجزء: 12)

عبدِ العزيزِ البغوِيُّ، قال (¬١): حدَّثنا عبدُ الأعلى بن حمّادٍ، قال: قرأتُ على مالكِ بن أنَسٍ، عن عَمرِو بن أبي عَمرٍو، عن أنَسٍ: أنَّ النَّبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- طلَعَ لهُ أُحُدٌ، فذكَرَهُ.
قال أبو عُمر: للنّاسِ في هذا مذهبانِ، أحدُهُما أنَّ ذلك مجازٌ، ومجازُهُ أنَّ رسُولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يَفْرحُ بأُحُدٍ إذا طلَعَ لهُ، استِبشارًا بالمدِينةِ، ومن فيها من أهْلِها (¬٢)، ويُحِبُّ النَّظر إليه، لقُربِهِ من النُّزُولِ بأهلِهِ، والأوْبةِ من سَفرِهِ، فلِهذا واللَّه أعلمُ، كان يُحِبُّ الجبل.
وأمّا حُبُّ الجبلِ لهُ، فكأنَّهُ قال: وكذلك كان يُحِبُّنا، لو كان مِمَّن تَصِحُّ وتُمكِنُ منهُ محبَّةٌ.
وقد مَضَى هذا المعنى في بابِ عبدِ اللَّه بن يزِيد واضِحًا، عِندَ قولِهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اشْتكتِ النّارُ إلى ربِّها. . . " الحدِيث (¬٣). والحمدُ للَّه.
ومن هذا قولُ عُمر بن الولِيدِ بن عُقبةَ (¬٤):
بكى أُحُدٌ إن فارقَ اليومَ أهلهُ ... فكيفَ بذِي وَجْدٍ من القَوْمِ (¬٥) آلِفُ
وقد قيلَ: معنى قولِهِ: "يُحِبُّنا"، أي: يُحِبُّنا أهلُهُ، يَعني الأنصار السّاكِنِينَ قُربهُ، وكانوا يُحِبُّونَ رسُولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ويُحِبُّهُم؛ لأنَّهُم آوَوْهُ، ونَصرُوهُ، وأقامُوا دِينهُ، فخرَجَ قولُهُ -صلى اللَّه عليه وسلم- على هذا التَّأوِيلِ، مخرجَ قولِ اللَّه عزَّ وجلَّ: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا} [يوسف: ٨٢] يُرِيدُ: واسأل (¬٦) أهلَ القَرْيةِ (¬٧)، ومثلُه:
---------------
(¬١) في الأصل، م: "قالا".
(¬٢) في ت: "أهله".
(¬٣) أخرجه مالك في الموطأ ١/ ٤٨ (٢٨).
(¬٤) انظر: الأغاني ١/ ٢٦.
(¬٥) في ت: "الناس".
(¬٦) هذه الكلمة لم ترد في الأصل، م.
(¬٧) قوله: {وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا} [يوسف: ٨٢] لم يرد في م.

الصفحة 553