كتاب التمهيد - ابن عبد البر - ت بشار (اسم الجزء: 12)

ولم يَكُن في شرِيعةِ إبراهيمَ جزاءُ صَيْدٍ، فيما قال أهلُ العِلم، والنَّبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- إنَّما حرَّم المدِينةَ، كما حرَّم إبراهيمُ مكَّةَ.
ووُجُوبُ الجزاءِ في صَيْدِ الحَرَم شيءٌ ابْتَلَى اللَّه به هذه الأُمَّةَ، ألا تَرَى إلى قولِهِ عزَّ وجلَّ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ} [المائدة: ٩٤]. ولم يكُن قبلَ ذلك، واللَّهُ أعلمُ.
والصَّحابةُ فَهِمُوا المُرادَ في تحرِيم صَيْدِ المدِينةِ، فتَلقَّوهُ بالوُجُوبِ، دُونَ جَزاءٍ، كذلك قال أبو هريرةَ (¬١)، وزيدُ بن ثابتٍ (¬٢)، وأبو سعِيدٍ (¬٣).
ذكرَ إسماعيلُ بن إسحاقَ قال: حدَّثنا إسماعيلُ بن أبي أُوَيسٍ، قال: حدَّثني أخِي، عن سُليمانَ بن بلال، عن سعدِ بن إسحاقَ بن كعبِ بن عُجرةَ، عن زينب بنتِ كعبِ بن عُجرةَ، عن أبي سعِيدٍ الخُدرِيِّ، أنَّ النَّبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- حرَّمَ ما بينَ لابَتَيِ المدِينةِ، وأَنَّهُ حرَّمَ شَجَرها أن يُعضَدَ. قالت زينبُ: فكانَ أبو سعِيدٍ يَضْرِبُ بنِيهِ إذا اصطادوا فيها، ويُرسِلُ الصَّيدَ (¬٤).
قال: وحدَّثنا مُسدَّدٌ، قال: حدَّثنا عبدُ الواحِدِ بن زِيادٍ، قال: حدَّثنا عاصِمٌ الأحولُ، قال: قُلتُ لأنَسِ بن مالكٍ: حرَّم رسُولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- المدِينةَ؟ قال: نعم (¬٥).
---------------
(¬١) أخرجه مالك في الموطأ ٢/ ٤٦٧ - ٤٦٨ (٢٦٠٠).
(¬٢) أخرجه مالك في الموطأ ٢/ ٤٦٨ (٢٦٠٢)، وأحمد في مسنده ٣٥/ ٤٥٤ (٢١٥٧٦).
(¬٣) انظر ما بعده.
(¬٤) أخرجه أحمد في مسنده ١٧/ ٢٧٠ (١١١٧٧)، والنسائي في الكبرى ٤/ ٢٦١ (٤٢٦٩)، وأبو يعلى (٩٩٨)، والطحاوي في شرح معاني الآثار ٤/ ١٩٢، من طريق سعد بن إسحاق، به. وانظر: المسند الجامع ٦/ ٤٩٠ (٤٦٧٢).
(¬٥) أخرجه أبو نعيم في مستخرجه (٣١٧٠) من طريق مسدد، به. وأخرجه البخاري (٧٣٥٦)، ومسلم (١٣٦٦) من طريق عبد الواحد، به. وأخرجه أحمد في مسنده ٢٠/ ٣٥٤ (١٣٠٦٣)، وأبو يعلى (٤٠٢٧)، والبيهقي في الكبرى ٥/ ١٩٧، من طريق عاصم، به. وانظر: المسند الجامع ٢/ ٤٦١ (١٥٣٠).

الصفحة 559