كتاب التمهيد - ابن عبد البر - ت بشار (اسم الجزء: 12)
وهذا يُصحِّحُ ما قالهُ مالكٌ: أنَّهُ طلَّقها وهُو غائبٌ.
وقال في هذا الحديثِ جماعةٌ عن الشَّعبِيِّ، وعن أبي سَلَمةَ: إنّهُ طلَّقها، ثُمَّ خرجَ إلى اليمنِ، أو إلى بَعضِ المغازِي. فالله أعلمُ.
وروى صالحُ بن كَيْسانَ (¬١)، وابنُ جُريج (¬٢)، وشُعيبُ بن أبي حمزةَ (¬٣)، عن الزُّهرِيِّ، عن أبي سلمةَ، عن فاطِمةَ: أنَّ زوجَها طلَّقها آخِرَ ثلاثِ تطلِيقاتٍ.
ورَوَى ابنُ إسحاق، عن عِمرانَ بن أبي أنسٍ، عن أبي سلمةَ، عن فاطِمةَ، قالت: كنتُ عِندَ أبي عَمرو (¬٤)، فبعثَ إليَّ بتطلِيقتي الثّالِثةِ (¬٥).
فهذا ما بَلَغني ممّا في حديثِ فاطِمةَ من الاختِلافِ في صِفةِ طلاقِها، فلا حُجَّةَ فيه لمن قال: إنَّ طلاقَ الثَّلاثِ مُجتمِعاتٍ سُنّةٌ، ولا لمن أنكرَ ذلك، للاختِلافِ فيهِ.
وقد أوضحنا القولَ في هذه المسألةِ، وبسطناهُ ومهَّدناهُ في بابِ نافِع، والحمدُ لله.
وأمّا قولُهُ: فأرسلَ إليها وكِيلهُ بشعِيرٍ. ففيه إباحَةُ الوَكالةِ وثُبُوتُها، وهذا أصلٌ فيها.
وأمّا قولُهُ: والله ما لكِ عَلَينا من شيءٍ، فجاءَت رسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم -، فذكرَتْ ذلك لهُ، فقال: "ليسَ لكِ عليه نَفقةٌ".
---------------
(¬١) أخرجه مسلم (١٤٨٠) (٤٠)، والطبراني في الكبير ٢٤/ ٣٦٧ (٩١٢) من طريق صالح بن كيسان، به.
(¬٢) أخرجه عبد الرزاق في المصنَّف (١٢٠٢٢، ١٢٠٢٣)، وأحمد في مسنده ٤٥/ ٣٣٤ (٢٧٣٤٧)، والطبراني في الكبير ٢٤/ ٣٦٦ (٩٠٩)، والدارقطني في سننه ٥/ ٥٢ (٣٩٧٠) من طريق ابن جريج، به.
(¬٣) ذكره أبو داود بإثر رقم (٢٢٩٠).
(¬٤) في الأصل، ي ١، ت، م: "عمر".
(¬٥) أخرجه أحمد في مسنده ٤٥/ ٣١٨ (٢٧٣٣٤) من طريق ابن إسحاق، به.