كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 12)
الْقَطْعِ فِي دُونِ الْقَدْرِ الَّذِي يَقُولُونَ بِجَوَازِ الْقَطْعِ فِيهِ وَيَدُلُّ عَلَى الْقَطْعِ فِيمَا يَقُولُونَ بِهِ بِطَرِيقِ الْفَحْوَى وَأَمَّا دَلَالَتُهُ عَلَى عَدَمِ الْقَطْعِ فِي دُونِ رُبْعِ دِينَارٍ فَلَيْسَ هُوَ مِنْ حَيْثُ مَنْطُوقُهُ بَلْ مِنْ حَيْثُ مَفْهُومُهُ فَلَا يَكُونُ حُجَّةً عَلَى مَنْ لَا يَقُولُ بِالْمَفْهُومِ قُلْتُ وَقَرَّرَ الْبَاجِيُّ طَرِيقَ الْأَخْذِ بِالْمَفْهُومِ هُنَا فَقَالَ دَلَّ التَّقْوِيمُ عَلَى أَنَّ الْقَطْعَ يَتَعَلَّقُ بِقَدْرٍ مَعْلُومٍ وَإِلَّا فَلَا يَكُونُ لِذِكْرِهِ فَائِدَةٌ وَحِينَئِذٍ فَالْمُعْتَمَدُ مَا وَرَدَ بِهِ النَّصُّ صَرِيحًا مَرْفُوعًا فِي اعْتِبَارِ رُبْعِ دِينَارٍ وَقَدْ خَالَفَ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ فِي ذَلِكَ مِنَ الْقُدَمَاءِ بن عبد الحكم وَمِمَّنْ بعدهمْ بن الْعَرَبِيِّ فَقَالَ ذَهَبَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ مَعَ جَلَالَتِهِ فِي الْحَدِيثِ إِلَى أَنَّ الْقَطْعَ لَا يَكُونُ إِلَّا فِي عَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَحُجَّتُهُ أَنَّ الْيَدَ مُحْتَرَمَةٌ بِالْإِجْمَاعِ فَلَا تُسْتَبَاحُ إِلَّا بِمَا أُجْمِعَ عَلَيْهِ وَالْعَشَرَةُ مُتَّفَقٌ عَلَى الْقَطْعِ فِيهَا عِنْدَ الْجَمِيعِ فَيُتَمَسَّكُ بِهِ مَا لَمْ يَقَعِ الِاتِّفَاقُ عَلَى مَا دُونَ ذَلِكَ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْآيَةَ دَلَّتْ عَلَى الْقَطْعِ فِي كُلِّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ وَإِذَا اخْتَلَفَتِ الرِّوَايَاتُ فِي النِّصَابِ أُخِذَ بِأَصَحِّ مَا وَرَدَ فِي الْأَقَلِّ وَلَمْ يَصِحَّ أَقَلُّ مِنْ رُبْعِ دِينَارٍ أَوْ ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ فَكَانَ اعْتِبَارُ رُبْعِ دِينَارٍ أَقْوَى مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ صَرِيحٌ فِي الْحَصْرِ حَيْثُ وَرَدَ بِلَفْظِ لَا تُقْطَعُ الْيَدُ إِلَّا فِي رُبْعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا وَسَائِرُ الْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ الْوَارِدَةِ حِكَايَةُ فِعْلٍ لَا عُمُومَ فِيهَا وَالثَّانِي أَنَّ الْمُعَوَّلَ عَلَيْهِ فِي الْقِيمَةِ الذَّهَبُ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ فِي جَوَاهِرِ الْأَرْضِ كُلِّهَا وَيُؤَيِّدهُ مَا نَقَلَ الْخَطَّابِيُّ اسْتِدْلَالًا عَلَى أَنَّ أَصْلَ النَّقْدِ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ الدَّنَانِيرُ بِأَنَّ الصِّكَاكَ الْقَدِيمَةَ كَانَ يُكْتَبُ فِيهَا عَشَرَةُ دَرَاهِمَ وَزْنُ سَبْعَةِ مَثَاقِيلَ فَعُرِفَتِ الدَّرَاهِمُ بِالدَّنَانِيرِ وَحُصِرَتْ بِهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَحَاصِلُ الْمَذَاهِبِ فِي الْقَدْرِ الَّذِي يُقْطَعُ السَّارِقُ فِيهِ يَقْرُبُ مِنْ عِشْرِينَ مَذْهَبًا الْأَوَّلُ يُقْطَعُ فِي كُلِّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ تَافِهًا كَانَ أَوْ غَيْرَ تَافِهٍ نُقِلَ عَنْ أَهْلِ الظَّاهِرِ وَالْخَوَارِجِ وَنُقِلَ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَبِهِ قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنُ بِنْتِ الشَّافِعِيِّ وَمُقَابِلُ هَذَا الْقَوْلِ فِي الشُّذُوذِ مَا نَقَلَهُ عِيَاضٌ وَمَنْ تَبِعَهُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّ الْقَطْعَ لَا يَجِبُ إِلَّا فِي أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا أَوْ أَرْبَعَةِ دَنَانِيرَ وَهَذَا هُوَ الْقَوْلُ الثَّانِي الثَّالِثُ مِثْلُ الْأَوَّلِ إِلَّا إِنْ كَانَ الْمَسْرُوقُ شَيْئًا تَافِهًا لِحَدِيثِ عُرْوَةَ الْمَاضِي لَمْ يَكُنِ الْقَطْعُ فِي شَيْءٍ مِنَ التَّافِهِ وَلِأَنَّ عُثْمَانَ قَطَعَ فِي فَخَّارَةٍ خَسِيسَةٍ وَقَالَ لِمَنْ يَسْرِقُ السِّيَاطَ لَئِنْ عُدْتُمْ لَأَقْطَعَنَّ فِيهِ وَقطع بن الزبير فِي نَعْلَيْنِ أخرجهُمَا بن أَبِي شَيْبَةَ وَعَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّهُ قَطَعَ فِي مُدٍّ أَوْ مُدَّيْنِ الرَّابِعُ تُقْطَعُ فِي دِرْهَمٍ فَصَاعِدًا وَهُوَ قَوْلُ عُثْمَانَ الْبَتِّيِّ بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَتَشْدِيدِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ فُقَهَاءِ الْبَصْرَةِ وَرَبِيعَةَ مِنْ فُقَهَاءِ الْمَدِينَةِ وَنَسَبَهُ الْقُرْطُبِيُّ إِلَى عُثْمَانَ فَأَطْلَقَ ظَنًّا مِنْهُ أَنَّهُ الْخَلِيفَةُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْخَامِسُ فِي دِرْهَمَيْنِ وَهُوَ قَوْلُ الْحسن الْبَصْرِيّ جزم بِهِ بن الْمُنْذِرِ عَنْهُ السَّادِسُ فِيمَا زَادَ عَلَى دِرْهَمَيْنِ وَلَو لم يبلغ الثَّلَاثَة أخرجه بن أَبِي شَيْبَةَ بِسَنَدٍ قَوِيٍّ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَطَعَ فِي شَيْءٍ مَا يُسَاوِي دِرْهَمَيْنِ وَفِي لَفْظٍ لَا يُسَاوِي ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ السَّابِعُ فِي ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ وَيُقَوَّمُ مَا عَدَاهَا بِهَا وَلَوْ كَانَ ذَهَبًا وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَحَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ عَنْ مَالِكٍ الثَّامِنُ مِثْلُهُ لَكِنْ إِنْ كَانَ الْمَسْرُوقُ ذَهَبًا فَنِصَابُهُ رُبْعُ دِينَارٍ وَإِنْ كَانَ غَيْرَهُمَا فَإِنْ بَلَغَتْ قِيمَتُهُ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ قُطِعَ بِهِ وَإِنْ لَمْ تَبْلُغْ لَمْ يُقْطَعْ وَلَوْ كَانَ نِصْفَ دِينَاٍر وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ الْمَعْرُوفُ عِنْدَ أَتْبَاعِهِ وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَاحْتُجَّ لَهُ بِمَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ رَاشِدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى الْغَسَّانِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا اقْطَعُوا فِي رُبْعِ دِينَارٍ وَلَا تَقْطَعُوا فِي أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ قَالَتْ وَكَانَ ربع دِينَار قِيمَتُهُ يَوْمئِذٍ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ وَالْمَرْفُوعُ مِنْ هَذِهِ الرِّوَايَةِ نَصٌّ فِي أَنَّ الْمُعْتَمَدَ وَالْمُعْتَبَرَ فِي ذَلِكَ الذَّهَبُ وَالْمَوْقُوفُ مِنْهُ يَقْتَضِي أَنَّ الذَّهَبَ يُقَوَّمُ بِالْفِضَّةِ وَهَذَا يُمْكِنُ تَأْوِيلُهُ فَلَا يَرْتَفِعُ بِهِ النَّصُّ الصَّرِيحُ التَّاسِعُ مِثْلُهُ إِلَّا إِنْ كَانَ الْمَسْرُوقُ غَيْرَهُمَا قُطِعَ بِهِ إِذَا بَلَغَتْ قِيمَتُهُ أَحَدَهُمَا وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ أَحْمَدَ وَرِوَايَةٌ عَنْ إِسْحَاقَ الْعَاشِرُ مِثْلُهُ
الصفحة 106