كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 12)

(قَوْلُهُ بَابُ لَا يُرْجَمُ الْمَجْنُونُ وَالْمَجْنُونَةُ)
أَيْ إِذَا وَقَعَ فِي الزِّنَا فِي حَالِ الْجُنُونِ وَهُوَ إِجْمَاعٌ وَاخْتُلِفَ فِيمَا إِذَا وَقَعَ فِي حَالِ الصِّحَّةِ ثُمَّ طَرَأَ الْجُنُونُ هَلْ يُؤَخَّرُ إِلَى الْإِفَاقَةِ قَالَ الْجُمْهُورُ لَا لِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ التَّلَفُ فَلَا مَعْنَى لِلتَّأْخِيرِ بِخِلَافِ مَنْ يُجْلَدُ فَإِنَّهُ يُقْصَدُ بِهِ الْإِيلَامُ فَيُؤَخَّرُ حَتَّى يُفِيقَ قَوْلُهُ وَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَمَا عَلِمْتَ إِلَخْ تَقَدَّمَ بَيَانُ مَنْ وَصَلَهُ فِي بَابِ الطَّلَاقِ فِي الاغلاق وَأَن أَبَا دَاوُد وبن حِبَّانَ وَالنَّسَائِيَّ أَخْرَجُوهُ مَرْفُوعًا وَرَجَّحَ النَّسَائِيُّ الْمَوْقُوفُ وَمَعَ ذَلِكَ فَهُوَ مَرْفُوعٌ حُكْمًا وَفِي أَوَّلِ الْأَثَرِ الْمَذْكُورِ قِصَّةٌ تُنَاسِبُ هَذِهِ التَّرْجَمَةَ وَهُوَ عَن بن عَبَّاسٍ أُتِيَ عُمَرُ أَيْ بِمَجْنُونَةٍ قَدْ زَنَتْ وَهِيَ حُبْلَى فَأَرَادَ أَنْ يَرْجُمَهَا فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ أَمَّا بَلَغَكَ أَنَّ الْقَلَمَ قَدْ رُفِعَ عَنْ ثَلَاثَةٍ فَذَكَرَهُ هَذَا لَفْظُ عَلِيِّ بْنِ الْجَعْدِ الْمَوْقُوفُ فِي الْفَوَائِدِ الْجَعْدِيَّاتِ وَلَفْظُ الْحَدِيثِ الْمَرْفُوع عَن بن عَبَّاسٍ مَرَّ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ بِمَجْنُونَةِ بَنِي فُلَانٍ قَدْ زَنَتْ فَأَمَرَ عُمَرُ بِرَجْمِهَا فَرَدَّهَا عَلِيٌّ وَقَالَ لِعُمَرَ أَمَا تَذْكُرُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ عَنِ الْمَجْنُونِ الْمَغْلُوبِ عَلَى عَقْلِهِ وَعَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ وَعَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ قَالَ صَدَقْتَ فَخَلَّى عَنْهَا هَذِهِ رِوَايَةُ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ عَنِ الْأَعْمَشِ عَن أبي ظبْيَان عَن بن أَبِي دَاوُدَ وَسَنَدُهَا مُتَّصِلٌ لَكِنْ أَعَلَّهُ النَّسَائِيُّ بِأَنَّ جَرِيرَ بْنَ حَازِمٍ حَدَّثَ بِمِصْرَ بِأَحَادِيثَ غَلِطَ فِيهَا وَفِي رِوَايَةِ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنِ الْأَعْمَشِ بِسَنَدِهِ أُتِيَ عُمَرُ بِمَجْنُونَةٍ قَدْ زَنَتْ فَاسْتَشَارَ فِيهَا النَّاسَ فَأَمَرَ بِهَا عُمَرُ أَنْ تُرْجَمَ فَمَرَّ بِهَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ ارْجِعُوا بِهَا ثُمَّ أَتَاهُ فَقَالَ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْقَلَمَ قَدْ رُفِعَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِي آخِرِهِ قَالَ بَلَى قَالَ فَمَا بَالُ هَذِهِ تُرْجَمُ فَأَرْسَلَهَا فَجَعَلَ يُكَبِّرُ وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنِ الْأَعْمَشِ نَحْوُهُ وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مَوْقُوفًا مِنَ الطَّرِيقَيْنِ وَرَجَّحَهُ النَّسَائِيُّ وَرَوَاهُ عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ عَن عَليّ بِدُونِ ذكر بن عَبَّاسٍ وَفِي آخِرِهِ فَجَعَلَ عُمَرُ يُكَبِّرُ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ بِلَفْظِ قَالَ أُتِيَ عُمَرُ بِامْرَأَةٍ فَذَكَرَ نَحْوَهُ وَفِيهِ فَخَلَّى عَلِيٌّ سَبِيلَهَا فَقَالَ عُمَرُ ادْعُ لِي عَلِيًّا فَأَتَاهُ فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ رُفِعَ الْقَلَمُ فَذَكَرَهُ لَكِنْ بِلَفْظِ الْمَعْتُوهِ حَتَّى يَبْرَأَ وَهَذِهِ مَعْتُوهَةُ بَنِي فُلَانٍ لَعَلَّ الَّذِي أَتَاهَا وَهِيَ فِي بَلَائِهَا وَلِأَبِي دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الضُّحَى عَن عَليّ مَرْفُوعا نَحوه لَكِن قَالَ وَعَن الْخَرِفِ بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ بَعْدَهَا فَاءٌ وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنِ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ فَذَكَرَهُ بِلَفْظِ وَعَنِ الْمُبْتَلَى حَتَّى يَبْرَأَ وَهَذِهِ طُرُقٌ تَقَوَّى بَعْضُهَا بِبَعْضٍ وَقَدْ أَطْنَبَ النَّسَائِيُّ فِي تَخْرِيجِهَا ثُمَّ قَالَ لَا يَصِحُّ مِنْهَا شَيْءٌ وَالْمَرْفُوعُ أَوْلَى بِالصَّوَابِ قُلْتْ وَلِلْمَرْفُوعِ شَاهِدٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ أَخْبَرَنِي غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ مِنْهُمْ شَدَّادُ بْنُ أَوْسٍ وَثَوْبَانُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ رُفِعَ الْقَلَمُ فِي الْحَدِّ عَنِ الصَّغِيرِ حَتَّى يَكْبُرَ وَعَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ وَعَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يُفِيقَ وَعَنِ الْمَعْتُوهِ الْهَالِكِ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ وَقَدْ أَخَذَ الْفُقَهَاءُ بِمُقْتَضَى هَذِهِ الْأَحَادِيثِ لَكِنْ ذكر بن حِبَّانَ أَنَّ الْمُرَادَ بِرَفْعِ الْقَلَمِ تَرْكُ كِتَابَةِ الشَّرِّ عَنْهُمْ دُونَ الْخَيْرِ وَقَالَ شَيْخُنَا فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ هُوَ ظَاهِرٌ فِي الصَّبِيِّ دُونَ الْمَجْنُونِ وَالنَّائِمِ لِأَنَّهُمَا فِي حَيِّزِ مَنْ

الصفحة 121