كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 12)
عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُهُ كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي رِوَايَةِ بن أَبِي ذِئْبٍ وَهُوَ جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ قَوْلُهُ فَقَامَ رجل فِي رِوَايَة بن أَبِي ذِئْبٍ الْآتِيَةِ قَرِيبًا وَصَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ الْآتِيَةِ فِي الْأَحْكَامِ وَاللَّيْثِ الْمَاضِيَةِ فِي الشُّرُوطِ أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَعْرَابِ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ جَالِسٌ وَفِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ فِي الْأَحْكَامِ إِذْ قَامَ رَجُلٌ مِنَ الْأَعْرَابِ وَفِي رِوَايَةِ مَالِكٍ الْآتِيَةِ قَرِيبًا أَنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا قَوْلُهُ أَنْشُدُكَ اللَّهَ فِي رِوَايَةِ اللَّيْثِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْشُدُكَ اللَّهَ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَنُونٍ سَاكِنَةٍ وَضَمِّ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ أَسْأَلُكَ بِاللَّهِ وَضَمَّنَ أَنْشُدُكَ مَعْنَى أذكرك فَحذف الْبَاء أَي أذكرك رَافعا نشيدتي أَيْ صَوْتِي هَذَا أَصْلُهُ ثُمَّ اسْتُعْمِلَ فِي كُلِّ مَطْلُوبٍ مُؤَكَّدٍ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ رَفْعُ صَوْتٍ وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ يَنْدَفِعُ إِيرَادُ مَنِ اسْتَشْكَلَ رَفْعَ الرَّجُلِ صَوْتَهُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ النَّهْيِ عَنْهُ ثُمَّ أَجَابَ عَنْهُ بِأَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ النَّهْيُ لِكَوْنِهِ أَعْرَابِيًّا أَوِ النَّهْيُ لِمَنْ يَرْفَعُهُ حَيْثُ يَتَكَلَّمُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ظَاهِرِ الْآيَةِ وَذَكَرَ أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ أَنَّ بَعْضَهُمْ رَوَاهُ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَغَلَّطَهُ قَوْلُهُ إِلَّا قَضَيْتَ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللَّهِ فِي رِوَايَةِ اللَّيْثِ إِلَّا قَضَيْتَ لِي بِكِتَابِ اللَّهِ قِيلَ فِيهِ اسْتِعْمَالُ الْفِعْلِ بَعْدَ الِاسْتِثْنَاءِ بِتَأْوِيلِ الْمَصْدَرِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ حَرْفٌ مَصْدَرِيٌّ لِضَرُورَةِ افْتِقَارِ الْمَعْنَى إِلَيْهِ وَهُوَ مِنَ الْمَوَاضِعِ الَّتِي يَقَعُ فِيهَا الْفِعْلُ مَوْقِعَ الِاسْمِ وَيُرَادُ بِهِ النَّفْيُ الْمَحْصُورُ فِيهِ الْمَفْعُولُ وَالْمَعْنَى هُنَا لَا أَسْأَلُكَ إِلَّا الْقَضَاءَ بِكِتَابِ اللَّهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ إِلَّا جَوَابَ الْقَسَمِ لِمَا فِيهَا مِنْ مَعْنَى الْحَصْرِ وَتَقْدِيرُهُ أَسْأَلُكَ بِاللَّهِ لَا تَفْعَلْ شَيْئًا إِلَّا الْقَضَاءَ فَالتَّأْكِيدُ إِنَّمَا وَقَعَ لِعَدَمِ التَّشَاغُلِ بِغَيْرِهِ لَا لِأَنَّ لِقَوْلِهِ بِكِتَابِ اللَّهِ مَفْهُومًا وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ إِيرَادُ مَنِ اسْتَشْكَلَ فَقَالَ لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحْكُمُ إِلَّا بِكِتَابِ اللَّهِ فَمَا فَائِدَةُ السُّؤَالِ وَالتَّأْكِيدِ فِي ذَلِكَ ثُمَّ أَجَابَ بِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ جُفَاةِ الْأَعْرَابِ وَالْمُرَادُ بِكِتَابِ اللَّهِ مَا حَكَمَ بِهِ وَكَتَبَ عَلَى عِبَادِهِ وَقِيلَ الْمُرَادُ الْقُرْآن وَهُوَ الْمُتَبَادر وَقَالَ بن دَقِيقِ الْعِيدِ الْأَوَّلُ أَوْلَى لِأَنَّ الرَّجْمَ وَالتَّغْرِيبَ لَيْسَا مَذْكُورَيْنِ فِي الْقُرْآنِ إِلَّا بِوَاسِطَةِ أَمْرِ اللَّهِ بِاتِّبَاعِ رَسُولِهِ قِيلَ وَفِيمَا قَالَ نَظَرٌ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مَا تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ تَعَالَى أَو يَجْعَل الله لَهُنَّ سَبِيلا فَبَيَّنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ السَّبِيلَ جَلْدُ الْبِكْرِ وَنَفْيُهُ وَرَجْمُ الثَّيِّبِ قُلْتُ وَهَذَا أَيْضًا بِوَاسِطَةِ التَّبْيِينِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِكِتَابِ اللَّهِ الْآيَةُ الَّتِي نُسِخَتْ تِلَاوَتُهَا وَهِيَ الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ إِذَا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي يَلِيهِ وَبِهَذَا أَجَابَ الْبَيْضَاوِيُّ وَيَبْقَى عَلَيْهِ التَّغْرِيبُ وَقِيلَ الْمُرَادُ بِكِتَابِ اللَّهِ مَا فِيهِ مِنَ النَّهْيِ عَنْ أَكْلِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ لِأَنَّ خَصْمَهُ كَانَ أَخَذَ مِنْهُ الْغَنَمَ وَالْوَلِيدَةَ بِغَيْرِ حَقٍّ فَلِذَلِكَ قَالَ الْغَنَمُ وَالْوَلِيدَةُ رَدٌّ عَلَيْكَ وَالَّذِي يَتَرَجَّحُ أَنَّ الْمُرَادَ بِكِتَابِ اللَّهِ مَا يَتَعَلَّقُ بِجَمِيعِ أَفْرَادِ الْقِصَّةِ مِمَّا وَقَعَ بِهِ الْجَوَابُ الْآتِي ذِكْرُهُ وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى قَوْلُهُ فَقَامَ خَصْمُهُ وَكَانَ أَفْقَهَ مِنْهُ فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ فَقَالَ الْآخَرُ وَهُوَ أَفْقَهُهُمَا قَالَ شَيْخُنَا فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الرَّاوِي كَانَ عَارِفًا بِهِمَا قَبْلَ أَنْ يَتَحَاكَمَا فَوَصَفَ الثَّانِيَ بِأَنَّهُ أَفْقَهُ مِنَ الْأَوَّلِ إِمَّا مُطْلَقًا وَإِمَّا فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ الْخَاصَّةِ أَوِ اسْتَدَلَّ بِحُسْنِ أَدَبِهِ فِي اسْتِئْذَانِهِ وَتَرْكِ رَفْعِ صَوْتِهِ إِنْ كَانَ الْأَوَّلُ رَفَعَهُ وَتَأْكِيدِهِ السُّؤَالَ عَلَى فِقْهِهِ وَقَدْ وَرَدَ أَنَّ حسن السُّؤَال نصف الْعلم وَأوردهُ بن السُّنِّيِّ فِي كِتَابِ رِيَاضَةِ الْمُتَعَلِّمِينَ حَدِيثًا مَرْفُوعًا بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ قَوْلُهُ فَقَالَ اقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ الله وائذن لِي فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ فَقَالَ أَجَلْ وَفِي رِوَايَةِ اللَّيْثِ فَقَالَ نَعَمْ فَاقْضِ وَفِي رِوَايَةِ بن أَبِي ذِئْبٍ وَشُعَيْبٍ فَقَالَ صَدَقَ اقْضِ لَهُ يَا رَسُول الله بِكِتَاب الله قَوْله وائذن لي زَاد بن أَبِي شَيْبَةَ عَنْ سُفْيَانَ حَتَّى أَقُولَ وَفِي رِوَايَةِ مَالِكٍ أَنْ أَتَكَلَّمَ قَوْلُهُ قُلْ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْ وَفِي رِوَايَةِ مَالِكٍ قَالَ تَكَلَّمْ قَوْلُهُ قَالَ ظَاهِرُ
الصفحة 138