كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 12)

قَالَ بن دَقِيقِ الْعِيدِ وَبِذَلِكَ يَتَبَيَّنُ ضَعْفُ عُذْرِ مَنِ اعْتَذَرَ مِنَ الْفُقَهَاءِ عَنْ بَعْضِ الْعُقُودِ الْفَاسِدَةِ بِأَنَّ الْمُتَعَاوِضَيْنِ تَرَاضَيَا وَأَذِنَ كُلٌّ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ فِي التَّصَرُّفِ وَالْحَقُّ أَنَّ الْإِذْنَ فِي التَّصَرُّفِ مُقَيَّدٌ بِالْعُقُودِ الصَّحِيحَةِ وَفِيهِ جَوَازُ الِاسْتِنَابَةِ فِي إِقَامَةِ الْحَدِّ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى وُجُوبِ الْإِعْذَارِ وَالِاكْتِفَاءِ فِيهِ بِوَاحِدٍ وَأَجَابَ عِيَاضٌ بِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ ثَبَتَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَهَادَةِ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ كَذَا قَالَ وَالَّذِي تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ مِنَ الثَّلَاثَةِ وَالِدُ الْعَسِيفِ فَقَطْ وَأَمَّا الْعَسِيفُ وَالزَّوْجُ فَلَا وَغَفَلَ بَعْضُ مَنْ تَبِعَ الْقَاضِيَ فَقَالَ لَا بُدَّ مِنْ هَذَا الْحَمْلِ وَإِلَّا لَزِمَ الِاكْتِفَاءُ بِشَهَادَةِ وَاحِدٍ فِي الْإِقْرَارِ بِالزِّنَا وَلَا قَائِلَ بِهِ وَيُمْكِنُ الِانْفِصَالُ عَنْ هَذَا بِأَنَّ أُنَيْسًا بُعِثَ حَاكِمًا فَاسْتَوْفَى شُرُوطَ الْحَكَمِ ثُمَّ اسْتَأْذَنَ فِي رَجْمِهَا فَأَذِنَ لَهُ فِي رَجْمِهَا وَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ مِنَ الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ إِقَامَةُ الشَّهَادَةِ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ تَقَدُّمِ دَعْوَى عَلَيْهَا وَلَا عَلَى وَكِيلِهَا مَعَ حُضُورِهَا فِي الْبَلَدِ غَيْرِ مُتَوَارِيَةٍ إِلَّا أَنْ يُقَالَ إِنَّهَا شَهَادَةُ حِسْبَةٍ وَيُجَابُ بِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ هُنَاكَ صِيغَةُ الشَّهَادَةِ الْمَشْرُوطَةِ فِي ذَلِكَ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى جَوَازِ الْحُكْمِ بِإِقْرَارِ الْجَانِي مِنْ غَيْرِ ضَبْطٍ بِشَهَادَةٍ عَلَيْهِ وَلَكِنَّهَا وَاقِعَةُ عَيْنٍ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أُنَيْسٌ أَشْهَدَ قَبْلَ رَجْمِهَا قَالَ عِيَاضٌ احْتَجَّ قَوْمٌ بِجَوَازِ حُكْمِ الْحَاكِمِ فِي الْحُدُودِ وَغَيْرِهَا بِمَا أَقَرَّ بِهِ الْخَصْمُ عِنْدَهُ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ وَبِهِ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ وَأَبَى ذَلِكَ الْجُمْهُورُ وَالْخِلَافُ فِي غَيْرِ الْحُدُودِ أَقْوَى قَالَ وَقِصَّةُ أُنَيْسٍ يَطْرُقُهَا احْتِمَالُ مَعْنَى الْإِعْذَارِ كَمَا مَضَى وَأَنَّ قَوْلَهُ فَارْجُمْهَا أَيْ بَعْدَ إِعْلَامِي أَوْ أَنَّهُ فَوَّضَ الْأَمْرَ إِلَيْهِ فَإِذَا اعْتَرَفَتْ بِحَضْرَةِ مَنْ يَثْبُتُ ذَلِكَ بِقَوْلِهِمْ تُحْكَمُ وَقَدْ دَلَّ قَوْلُهُ فَأَمَرَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرُجِمَتْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الَّذِي حَكَمَ فِيهَا بَعْدَ أَنْ أَعْلَمَهُ أُنَيْسٌ بِاعْتِرَافِهَا كَذَا قَالَ وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ أُنَيْسًا لَمَّا اعْتَرَفَتْ أَعْلَمَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُبَالَغَةً فِي الِاسْتِثْبَاتِ مَعَ كَوْنِهِ كَانَ عَلَّقَ لَهُ رَجْمَهَا عَلَى اعْتِرَافِهَا وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ حُضُورَ الْإِمَامِ الرَّجْمَ لَيْسَ شَرْطًا وَفِيهِ نَظَرٌ لِاحْتِمَالِ أَنَّ أُنَيْسًا كَانَ حَاكِمًا وَقَدْ حَضَرَ بَلْ بَاشَرَ الرَّجْمَ لِظَاهِرِ قَوْلِهِ فَرَجَمَهَا وَفِيهِ تَرْكُ الْجَمْعِ بَيْنِ الْجَلْدِ وَالتَّغْرِيبِ وَسَيَأْتِي فِي بَابِ الْبِكْرَانِ يُجْلَدَانِ وَيُنْفَيَانِ وَفِيهِ الِاكْتِفَاءُ بِالِاعْتِرَافِ بِالْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ أَنَّ الْمَرْأَةَ تَكَرَّرَ اعْتِرَافُهَا وَالِاكْتِفَاءُ بِالرَّجْمِ مِنْ غَيْرِ جَلْدٍ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ فِي قِصَّتِهَا أَيْضًا وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْفِعْلَ لَا عُمُومَ لَهُ فَالتَّرْكُ أَوْلَى وَفِيهِ جَوَازُ اسْتِئْجَارِ الْحُرِّ وَجَوَازُ إِجَارَةِ الْأَبِ وَلَدَهُ الصَّغِيرَ لِمَنْ يَسْتَخْدِمُهُ إِذَا احْتَاجَ لِذَلِكَ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى صِحَّةِ دَعْوَى الْأَبِ لِمَحْجُورِهِ وَلَوْ كَانَ بَالِغًا لِكَوْنِ الْوَلَدِ كَانَ حَاضِرًا وَلَمْ يَتَكَلَّمْ إِلَّا أَبُوهُ وَتُعُقِّبَ بِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ وَكِيلُهُ أَوْ لِأَنَّ التَّدَاعِيَ لَمْ يَقَعْ إِلَّا بِسَبَبِ الْمَالِ الَّذِي وَقَعَ بِهِ الْفِدَاءُ فَكَأَنَّ وَالِدَ الْعَسِيفِ ادَّعَى عَلَى زَوْجِ الْمَرْأَةِ بِمَا أَخَذَهُ مِنْهُ إِمَّا لِنَفْسِهِ وَإِمَّا لِامْرَأَتِهِ بِسَبَبِ ذَلِكَ حِينَ أَعْلَمَهُ أَهْلُ الْعِلْمِ بِأَنَّ ذَلِكَ الصُّلْحَ فَاسِدٌ لِيَسْتَعِيدَهُ مِنْهُ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ مَالِهِ أَوْ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَدِّ ذَلِكَ إِلَيْهِ وَأَمَّا مَا وَقَعَ فِي الْقِصَّةِ مِنَ الْحَدِّ فَبِاعْتِرَافِ الْعَسِيفِ ثُمَّ الْمَرْأَةِ وَفِيهِ أَنَّ حَالَ الزَّانِيَيْنِ إِذَا اخْتَلَفَا أُقِيمَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ حَدَّهُ لِأَنَّ الْعَسِيفَ جُلِدَ وَالْمَرْأَةَ رُجِمَتْ فَكَذَا لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا حُرًّا وَالْآخَرُ رَقِيقًا وَكَذَا لَوْ زَنَى بَالِغٌ بِصَبِيَّةٍ أَوْ عَاقِلٌ بِمَجْنُونَةٍ حُدَّ الْبَالِغُ وَالْعَاقِلُ دُونَهُمَا وَكَذَا عَكْسُهُ وَفِيهِ أَنَّ مَنْ قَذَفَ وَلَدَهُ لَا يُحَدُّ لَهُ لِأَنَّ الرَّجُلَ قَالَ إِنَّ ابْنِي زَنَى وَلَمْ يَثْبُتْ عَلَيْهِ حد الْقَذْف الحَدِيث الثَّانِي

[6829] قَوْلُهُ عَنِ الزُّهْرِيِّ صَرَّحَ الْحُمَيْدِيُّ فِيهِ بِالتَّحْدِيثِ عَنْ سُفْيَانَ قَالَ أَتَيْنَا يَعْنِي الزُّهْرِيَّ فَقَالَ إِنْ شِئْتُمْ حَدَّثْتُكُمْ بِعِشْرِينَ حَدِيثًا أَوْ حَدَّثْتُكُمْ بِحَدِيثِ السَّقِيفَةِ فَقَالُوا حَدِّثْنَا بِحَدِيثِ السَّقِيفَةِ فَحَدَّثَهُمْ بِهِ بِطُولِهِ فَحَفِظْتُ مِنْهُ شَيْئًا ثُمَّ حَدَّثَنِي بِبَقِيَّتِهِ بَعْدَ ذَلِكَ مَعْمَرٌ قَوْلُهُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بِالتَّصْغِيرِ هُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْحَدِيثِ قَبْلَهُ وَوَقَعَ عِنْدَ أَبِي عَوَانَةَ فِي رِوَايَةِ يُونُسَ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ قَوْلُهُ عَنِ بن عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ عُمَرُ

الصفحة 142