كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 12)

عَلَى أَنَّ مَنْ خَشِيَ مِنْ قَوْمٍ فِتْنَةً وَأَنْ لَا يُجِيبُوا إِلَى امْتِثَالِ الْأَمْرِ الْحَقِّ أَنْ يَتَوَجَّهَ إِلَيْهِمْ وَيُنَاظِرَهُمْ وَيُقِيمَ عَلَيْهِمُ الْحُجَّةَ وَقَدْ أَخْرَجَ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ سَالِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ اجْتَمَعَ الْمُهَاجِرُونَ يَتَشَاوَرُونَ فَقَالُوا انْطَلِقُوا بِنَا إِلَى إِخْوَانِنَا الْأَنْصَارِ فَقَالُوا مِنَّا أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ فَقَالَ عُمَرُ فَسَيْفَانِ فِي غِمْدٍ إِذًا لَا يَصْلُحَانِ ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِ أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ مَنْ لَهُ هَذِهِ الثَّلَاثَةُ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعنا من صَاحبه إِذْ هما فِي الْغَار مَنْ هُمَا فَبَايَعَهُ وَبَايَعَهُ النَّاسُ أَحْسَنَ بَيْعَةٍ وَأَجْمَلَهَا وَفِيهِ أَنَّ لِلْكَبِيرِ الْقَدْرَ أَنْ يَتَوَاضَعَ وَيُفَضِّلَ مَنْ هُوَ دُونَهُ عَلَى نَفْسِهِ أَدَبًا وَفِرَارًا مِنْ تَزْكِيَةِ نَفْسِهِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ عُمَرَ لَمَّا قَالَ لَهُ ابْسُطْ يَدَكَ لَمْ يَمْتَنِعْ وَفِيهِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ لِلْمُسْلِمِينَ أَكْثَرُ مِنْ إِمَامٍ وَفِيهِ جَوَازُ الدُّعَاءِ عَلَى مَنْ يُخْشَى فِي بَقَائِهِ فِتْنَةٌ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ مَنْ قَذَفَ غَيْرَهُ عِنْدَ الْإِمَامِ لَمْ يَجِبْ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدَّ حَتَّى يَطْلُبهُ المقدوف لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْ قَاذِفِهِ أَوْ يُرِيدُ السَّتْرَ وَفِيهِ أَنَّ عَلَى الْإِمَامِ إِنْ خَشِيَ مِنْ قَوْمٍ الْوُقُوعَ فِي مَحْذُورٍ أَنْ يَأْتِيَهِمْ فَيَعِظَهُمْ وَيُحَذِّرَهُمْ قَبْلَ الْإِيقَاعِ بِهِمْ وَتَمَسَّكَ بَعْضُ الشِّيعَةِ بِقَوْلِ أَبِي بَكْرٍ قَدْ رَضِيتُ لَكُمْ أَحَدَ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ بِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَعْتَقِدُ وُجُوبَ إِمَامَتِهِ وَلَا اسْتِحْقَاقَهُ لِلْخِلَافَةِ وَالْجَوَابُ مِنْ أَوْجُهٍ أَحَدُهُمَا أَنَّ ذَلِكَ كَانَ تَوَاضُعًا مِنْهُ وَالثَّانِي لِتَجْوِيزِهِ إِمَامَةَ الْمَفْضُولِ مَعَ وُجُودِ الْفَاضِلِ وَإِنْ كَانَ مِنَ الْحَقِّ لَهُ فَلَهُ أَنْ يَتَبَرَّعَ لِغَيْرِهِ الثَّالِثُ أَنَّهُ عَلِمَ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَا يَرْضَى أَنْ يَتَقَدَّمَهُ فَأَرَادَ بِذَلِكَ الْإِشَارَةَ إِلَى أَنَّهُ لَوْ قُدِّرَ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ لَكَانَ الْأَمْرُ مُنْحَصِرًا فِيهِمَا وَمِنْ ثَمَّ لَمَّا حَضَرَهُ الْمَوْتُ اسْتَخْلَفَ عُمَرَ لِكَوْنِ أَبِي عُبَيْدَةَ كَانَ إِذْ ذَاكَ غَائِبًا فِي جِهَادِ أَهْلِ الشَّامِ مُتَشَاغِلًا بِفَتْحِهَا وَقَدْ دَلَّ قَوْلُ عُمَرَ لَأَنْ أُقَدَّمَ فَتُضْرَبَ عُنُقِي إِلَخْ عَلَى صِحَّةِ الِاحْتِمَالِ الْمَذْكُورِ وَفِيهِ إِشَارَةُ ذِي الرَّأْيِ عَلَى الْإِمَامِ بِالْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ بِمَا يَنْفَعُ عُمُومًا أَوْ خُصُوصًا وَإِنْ لَمْ يَسْتَشِرْهُ وَرُجُوعُهُ إِلَيْهِ عِنْدَ وُضُوحِ الصَّوَابِ وَاسْتُدِلَّ بِقَوْلِ أَبِي بَكْرٍ أَحَدُ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ أَنَّ شَرْطَ الْإِمَامِ أَنْ يَكُونَ وَاحِدًا وَقَدْ ثَبَتَ النَّصُّ الصَّرِيحُ فِي حَدِيثِ مُسْلِمٍ إِذَا بَايَعُوا لخليفتين فَاقْتُلُوا الْآخِرَ مِنْهُمَا وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ أَوَّلَهُ بِالْخَلْعِ وَالْإِعْرَاضِ عَنْهُ فَيَصِيرُ كَمَنْ قُتِلَ وَكَذَا قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي قَوْلِ عُمَرَ فِي حَقِّ سعد اقْتُلُوهُ أَي اجعلوه كمن قتل

الصفحة 156