كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 12)
وَالِدُ الْعَسِيفِ فَفِي الرِّوَايَةِ الْمَاضِيَةِ قَرِيبًا فِي بَابِ الِاعْتِرَافِ بِالزِّنَا فَقَامَ خَصْمُهُ وَكَانَ أَفْقَهَ مِنْهُ فَقَالَ اقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللَّهِ وَأْذَنْ لِي إِلَخْ هَذِهِ رِوَايَةُ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ وَوَافَقَهُ الْجُمْهُورُ فَتَقَدَّمَتْ رِوَايَةُ مَالِكٍ فِي الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ وَرِوَايَةُ اللَّيْثِ فِي الشُّرُوطِ وَتَأْتِي رِوَايَةُ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ وَشُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ فِي خَبَرِ الْوَاحِدِ وَكَذَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ اللَّيْثِ وَصَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ وَمَعْمَرٍ وَسَاقَهُ عَلَى لَفْظِ اللَّيْثِ وَمَعَ ذَلِكَ فَالِاخْتِلَافُ فِي هَذَا على بن أَبِي ذِئْبٍ فَإِنَّهُ رَوَاهُ عَنِ الزُّهْرِيِّ هُنَا وَفِي الصُّلْحِ فَالرَّاوِي لَهُ فِي الصُّلْحِ عَنِ بن أَبِي ذِئْبٍ آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ وَهُنَا عَاصِمُ بْنُ عَلِيٍّ وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ طَرِيقِ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ عَنْ بن أَبِي ذِئْبٍ فَوَافَقَ عَاصِمَ بْنَ عَلِيٍّ وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَإِنَّ قَوْلَهُ فِي رِوَايَةِ آدَمَ فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ زِيَادَةٌ إِلَّا إِنْ كَانَ كُلٌّ مِنَ الْخَصْمَيْنِ مُتَّصِفًا بِهَذَا الْوَصْفِ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِبَعِيد وَاللَّهُ أَعْلَمُ
(قَوْلُهُ بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصنَات الْمُؤْمِنَات الْآيَةَ)
كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ وَسَاقَ فِي رِوَايَةِ كَرِيمَةَ إِلَى قَوْله وَالله غَفُور رَحِيم قَالَ الْوَاحِدِيُّ قُرِئَ الْمُحْصَنَاتِ فِي الْقُرْآنِ بِكَسْرِ الصَّادِ وَفَتْحِهَا إِلَّا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا ملكت أَيْمَانكُم فَبِالْفَتْحِ جَزْمًا وَقُرِئَ فَإِذَا أُحْصِنَّ بِالضَّمِّ وَبِالْفَتْحِ فَبِالضَّمِّ مَعْنَاهُ التَّزْوِيجُ وَبِالْفَتْحِ مَعْنَاهُ الْإِسْلَامُ وَقَالَ غَيْرُهُ اخْتُلِفَ فِي إِحْصَانِ الْأَمَةِ فَقَالَ الْأَكْثَرُ إحصانها التَّزْوِيج وَقيل الْعتْق وَعَن بن عَبَّاسٍ وَطَائِفَةٍ إِحْصَانُهَا التَّزْوِيجُ وَنَصَرَهُ أَبُو عُبَيْدٍ وَإِسْمَاعِيلُ الْقَاضِي وَاحْتَجَّ لَهُ بِأَنَّهُ تَقَدَّمَ فِي الْآيَة قَوْله تَعَالَى من فَتَيَاتكُم الْمُؤْمِنَات فَيَبْعُدُ أَنْ يَقُولَ بَعْدَهُ فَإِذَا أَسْلَمْنَ قَالَ فَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ التَّزْوِيجَ كَانَ مَفْهُومُهُ أَنَّهَا قَبْلَ أَنْ تَتَزَوَّجَ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا الْحَدُّ إِذا زنت وَقد أَخذ بِهِ بن عَبَّاسٍ فَقَالَ لَا حَدَّ عَلَى الْأَمَةِ إِذَا زَنَتْ قَبْلَ أَنْ تَتَزَوَّجَ وَبِهِ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ التَّابِعِينَ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عُبَيْدٍ الْقَاسِمِ بْنِ سَلَّامٍ وَهُوَ وَجْهٌ لِلشَّافِعِيَّةِ وَاحْتَجَّ بِمَا أخرجه الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث بن عَبَّاسٍ لَيْسَ عَلَى الْأَمَةِ حَدٌّ حَتَّى تُحْصَنَ وَسَنَدُهُ حَسَنٌ لَكِنِ اخْتُلِفَ فِي رَفْعِهِ وَوَقْفِهِ والأرجح وَقفه وَبِذَلِك جزم بن خُزَيْمَة وَغَيره وَادّعى بن شَاهِينَ فِي النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ بِحَدِيثِ الْبَابِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ النَّسْخَ يَحْتَاجُ إِلَى التَّارِيخِ وَهُوَ لَمْ يُعْلَمْ وَقَدْ عَارَضَهُ حَدِيثُ عَلِيٍّ أَقِيمُوا الْحُدُودَ عَلَى أَرِقَّائِكُمْ مَنْ أُحْصِنَ مِنْهُمْ وَمَنْ لَمْ يُحْصَنْ وَاخْتُلِفَ أَيْضًا فِي رَفْعِهِ وَوَقْفِهِ وَالرَّاجِحُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ لَكِنَّ سِيَاقَهُ فِي مُسْلِمٍ يَدُلُّ عَلَى رَفْعِهِ فَالتَّمَسُّكُ بِهِ أَقْوَى وَإِذَا حُمِلَ الْإِحْصَانُ فِي الْحَدِيثِ عَلَى التَّزْوِيجِ وَفِي الْآيَةِ عَلَى الْإِسْلَامِ حَصَلَ الْجَمْعُ وَقَدْ بَيَّنَتِ السُّنَّةُ أَنَّهَا إِذَا زَنَتْ قَبْلَ الْإِحْصَانِ تُجْلَدُ وَقَالَ غَيْرُهُ التَّقْيِيدُ بِالْإِحْصَانِ يُفِيدُ أَنَّ الْحُكْمَ فِي حَقِّهَا الْجَلْدُ لَا الرَّجْمُ فَأُخِذَ حُكْمُ زِنَاهَا بَعْدَ الْإِحْصَانِ مِنَ الْكِتَابِ وَحُكْمُ زِنَاهَا قَبْلَ الْإِحْصَانِ مِنَ السُّنَّةِ وَالْحِكْمَةُ فِيهِ أَنَّ الرَّجْمَ لَا يَتَنَصَّفُ فَاسْتَمَرَّ حُكْمُ الْجَلْدِ فِي حَقِّهَا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ نُصَّ عَلَى الْجَلْدِ فِي أَكْمَلِ حَالَيْهَا لِيُسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى سُقُوطِ الرَّجْمِ عَنْهَا لَا عَلَى إِرَادَةِ إِسْقَاطِ الْجَلْدِ عَنْهَا إِذَا لَمْ تَتَزَوَّجْ وَقَدْ بَيَّنَتِ السُّنَّةُ أَنَّ عَلَيْهَا الْجَلْدَ
الصفحة 161