كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 12)
وَالْخِطَابُ فِي اجْلِدُوهَا لِمَنْ يَمْلِكُ الْأَمَةَ فَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ السَّيِّدَ يُقِيمُ الْحَدَّ عَلَى مَنْ يَمْلِكُهُ مِنْ جَارِيَةٍ وَعَبْدٍ أَمَّا الْجَارِيَةُ فَبِالنَّصِّ وَأَمَّا الْعَبْدُ فَبِالْإِلْحَاقِ وَقَدِ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِيمَنْ يُقِيمُ الْحُدُودَ عَلَى الْأَرِقَّاءِ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ لَا يُقِيمُهَا إِلَّا الْإِمَامُ أَوْ مَنْ يَأْذَنُ لَهُ وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ وَعَنِ الْأَوْزَاعِيِّ وَالثَّوْرِيِّ لَا يُقِيمُ السَّيِّدُ إِلَّا حَدَّ الزِّنَا وَاحْتَجَّ الطَّحَاوِيُّ بِمَا أَوْرَدَهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ كَانَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ رَجُلٌ مِنَ الصَّحَابَةِ يَقُولُ الزَّكَاةُ وَالْحُدُودُ وَالْفَيْءُ وَالْجُمُعَةُ إِلَى السُّلْطَانِ قَالَ الطَّحَاوِيُّ لَا نَعْلَمُ لَهُ مُخَالفا من الصَّحَابَة وَتعقبه بن حَزْمٍ فَقَالَ بَلْ خَالَفَهُ اثْنَا عَشَرَ نَفْسًا مِنَ الصَّحَابَةِ وَقَالَ آخَرُونَ يُقِيمُهَا السَّيِّدُ وَلَوْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ الْإِمَامُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأخرج عبد الرَّزَّاق بِسَنَد صَحِيح عَن بن عُمَرَ فِي الْأَمَةِ إِذَا زَنَتْ وَلَا زَوْجَ لَهَا يَحُدُّهَا سَيِّدُهَا فَإِنْ كَانَتْ ذَاتَ زَوْجٍ فَأَمْرُهَا إِلَى الْإِمَامِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ إِلَّا إِنْ كَانَ زَوْجُهَا عَبْدًا لِسَيِّدِهَا فَأَمْرُهَا إِلَى السَّيِّدِ وَاسْتَثْنَى مَالِكٌ الْقَطْعَ فِي السَّرِقَةِ وَهُوَ وَجْهٌ لِلشَّافِعِيَّةِ وَفِي آخَرَ يُسْتَثْنَى حَدُّ الشُّرْبِ وَاحْتُجَّ لِلْمَالِكِيَّةِ بِأَنَّ فِي الْقَطْعِ مُثْلَةً فَلَا يُؤْمَنُ السَّيِّدُ أَنْ يُرِيدَ أَنْ يُمَثِّلَ بِعَبْدِهِ فَيُخْشَى أَنْ يَتَّصِلَ الْأَمْرُ بِمَنْ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ يَعْتِقُ بِذَلِكَ فَيَدَّعِي عَلَيْهِ السَّرِقَةَ لِئَلَّا يَعْتِقَ فَيُمْنَعَ مِنْ مُبَاشَرَتِهِ الْقَطْعَ سَدًّا لِلذَّرِيعَةِ وَأَخَذَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ مِنْ هَذَا التَّعْلِيلِ اخْتِصَاصَ ذَلِكَ بِمَا إِذَا كَانَ مُسْتَنَدُ السَّرِقَةِ عِلْمَ السَّيِّدِ أَوِ الْإِقْرَارَ بِخِلَافِ مَا لَوْ ثَبَتَتْ بِالْبَيِّنَةِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِلسَّيِّدِ لِفَقْدِ الْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ وَحُجَّةُ الْجُمْهُورِ حَدِيثُ عَلِيٍّ الْمُشَارُ إِلَيْهِ قَبْلُ وَهُوَ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَالثَّلَاثَةِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ خِلَافٌ فِي اشْتِرَاطِ أَهْلِيَّةِ السَّيِّدِ لِذَلِكَ وَتَمَسَّكَ مَنْ لَمْ يَشْتَرِطْ بِأَنَّ سَبِيلَهُ سَبِيلُ الِاسْتِصْلَاحِ فَلَا يَفْتَقِرُ للأهلية وَقَالَ بن حَزْمٍ يُقِيمُهُ السَّيِّدُ إِلَّا إِنْ كَانَ كَافِرًا وَاحْتَجَّ بِأَنَّهُمْ لَا يُقَرُّونَ إِلَّا بِالصَّغَارِ وَفِي تَسْلِيطِهِ عَلَى إِقَامَةِ الْحَدِّ مُنَافَاةٌ لِذَلِكَ وَقَالَ بن الْعَرَبِيِّ فِي قَوْلِ مَالِكٍ إِنْ كَانَتِ الْأَمَةُ ذَاتَ زَوْجٍ لَمْ يَحُدَّهَا الْإِمَامُ مِنْ أَجْلِ أَنَّ لِلزَّوْجِ تَعَلُّقًا بِالْفَرْجِ فِي حِفْظِهِ عَنِ النَّسَبِ الْبَاطِلِ وَالْمَاءِ الْفَاسِدِ لَكِنَّ حَدِيثَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْلَى أَنْ يُتَّبَعَ يَعْنِي حَدِيثَ عَلِيٍّ الْمَذْكُورَ الدَّالَّ عَلَى التَّعْمِيمِ فِي ذَاتِ الزَّوْجِ وَغَيْرِهَا وَقَدْ وَقَعَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ مَنْ أُحْصِنَ مِنْهُمْ وَمَنْ لَمْ يُحْصَنْ قَوْلُهُ ثُمَّ بِيعُوهَا وَلَوْ بِضَفِيرٍ بِفَتْحِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ غَيْرِ الْمُشَالَةِ ثُمَّ فَاءٍ أَيِ المضفور فعيل بِمَعْنى مفعول زَاد يُونُس وبن أَخِي الزُّهْرِيِّ وَالزُّبَيْدِيُّ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ كُلُّهُمْ عَن بن شِهَابٍ عِنْدَ النَّسَائِيِّ وَالضَّفِيرُ الْحَبْلُ وَهَكَذَا أَخْرَجَهُ عَنْ قُتَيْبَةَ عَنْ مَالِكٍ وَزَادَهَا عَمَّارُ بْنُ أَبِي فَرْوَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ وَهُوَ بن شهَاب الزُّهْرِيّ عِنْد النَّسَائِيّ وبن مَاجَهْ لَكِنْ خَالَفَ فِي الْإِسْنَادِ فَقَالَ إِنَّ مُحَمَّدَ بْنَ مُسْلِمٍ حَدَّثَهُ أَنَّ عُرْوَةَ وَعَمْرَةَ حَدَّثَاهُ أَنَّ عَائِشَةَ حَدَّثَتْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا زَنَتِ الْأَمَةُ فَاجْلِدُوهَا وَقَالَ فِي آخِرِهِ وَلَوْ بِضَفِيرٍ وَالضَّفِيرُ الْحَبْلُ وَقَوْلُهُ وَالضَّفِيرُ الْحَبْلُ مُدْرَجٌ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ قَوْلِ الزُّهْرِيِّ عَلَى مَا بَيَّنَ فِي رِوَايَةِ الْقَعْنَبِيِّ عَنْ مَالِكٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَأَبِي دَاوُدَ فَقَالَ فِي آخِرِهِ قَالَ بن شِهَابٍ وَالضَّفِيرُ الْحَبْلُ وَكَذَلِكَ ذَكَرَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْمُوَطَّآتِ مَنْسُوبًا لِجَمِيعِ مَنْ رَوَى الْمُوَطَّأَ إِلَّا بن مَهْدِيٍّ فَإِنَّ ظَاهِرَ سِيَاقِهِ أَنَّهُ أَدْرَجَهُ أَيْضًا وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَذْكُرْ قَوْلَهُ وَالضَّفِيرُ الْحَبْلُ كَمَا فِي رِوَايَة الْبَاب قَوْله قَالَ بن شِهَابٍ هُوَ مَوْصُولٌ بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ قَوْلُهُ لَا أَدْرِي بَعْدَ الثَّالِثَةِ أَوِ الرَّابِعَةِ لَمْ يُخْتَلَفْ فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ فِي هَذَا وَكَذَا فِي رِوَايَة صَالح بن كيسَان وبن عُيَيْنَةَ وَكَذَا فِي رِوَايَةِ يُونُسَ وَالزُّبَيْدِيِّ عَنِ الزُّهْرِيِّ عِنْدَ النَّسَائِيِّ وَكَذَا فِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَأَدْرَجَهُ فِي رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عِنْدَ النَّسَائِيِّ وَلَفْظُهُ ثُمَّ إِنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا ثُمَّ بِيعُوهَا وَلَوْ بِضَفِيرٍ بَعْدَ الثَّالِثَةِ أَو الرَّابِعَة وَلم يقل قَالَ بن شهَاب وَعَن قُتَيْبَة وَعَن مَالِكٍ كَذَلِكَ وَأَدْرَجَ أَيْضًا فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي فَرْوَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ عِنْدَ النَّسَائِيِّ وَالصَّوَابُ التَّفْصِيلُ وَأَمَّا
الصفحة 163