كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 12)
وَقد تقدم شرح الحَدِيث مُسْتَوْفًى وَذَكَرْتُ مَا قِيلَ مِنَ الْحِكْمَةِ فِي إِرْسَالِ أُنَيْسٍ إِلَى الْمَرْأَةِ الْمَذْكُورَةِ وَفِي الْمُوَطَّإِ أَنَّ عُمَرَ أَتَاهُ رَجُلٌ فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا فَبَعَثَ إِلَيْهَا أَبَا وَاقِدٍ فَسَأَلَهَا عَمَّا قَالَ زَوْجُهَا وَأَعْلَمَهَا أَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ بِقَوْلِهِ فَاعْتَرَفَتْ فَأَمَرَ بِهَا عُمَرُ فَرُجِمَتْ قَالَ بن بَطَّالٍ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ مَنْ قَذَفَ امْرَأَتَهُ أَوِ امْرَأَةَ غَيْرِهِ بِالزِّنَا فَلَمْ يَأْتِ عَلَى ذَلِكَ بِبَيِّنَةٍ أَنَّ عَلَيْهِ الْحَدَّ إِلَّا إِنْ أَقَرَّ الْمَقْذُوفُ فَلِهَذَا يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَبْعَثَ إِلَى الْمَرْأَةِ يَسْأَلَهَا عَنْ ذَلِكَ وَلَوْ لَمْ تَعْتَرِفِ الْمَرْأَةُ فِي قِصَّةِ الْعَسِيفِ لَوَجَبَ عَلَى وَالِدِ الْعَسِيفِ حَدُّ الْقَذْفِ وَمِمَّا يَتَفَرَّعُ عَنْ ذَلِكَ لَوِ اعْتَرَفَ رَجُلٌ بِأَنَّهُ زَنَى بِامْرَأَةٍ مُعَيَّنَةٍ فَأَنْكَرَتْ هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ حَدُّ الزِّنَا وَحَدُّ الْقَذْفِ أَوْ حَدُّ الْقَذْفِ فَقَطْ قَالَ بِالْأَوَّلِ مَالِكٌ وَبِالثَّانِي أَبُو حَنِيفَةَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَصَاحِبَا أَبِي حَنِيفَةَ مَنْ أَقَرَّ مِنْهُمَا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ حَدُّ الزِّنَا فَقَطْ وَالْحُجَّةُ فِيهِ أَنَّهُ إِنْ كَانَ صَدَقَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ لِقَذْفِهَا وَإِنْ كَانَ كَذَبَ فَلَيْسَ بِزَانٍ وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهِ حَدُّ الزِّنَا لِأَنَّ كُلَّ مَنْ أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى غَيْرِهِ لَزِمَهُ مَا أَقَرَّ بِهِ عَلَى نَفْسِهِ وَهُوَ مُدَّعٍ فِيمَا أَقَرَّ بِهِ عَلَى غَيْرِهِ فَيُؤَاخَذُ بِإِقْرَارِهِ عَلَى نَفْسِهِ دُونَ غَيْرِهِ
(قَوْلُهُ بَابُ مَنْ أَدَّبَ أَهْلَهُ أَوْ غَيْرَهُ دُونَ السُّلْطَانِ)
أَيْ دُونَ إِذْنِهِ لَهُ فِي ذَلِكَ هَذِهِ التَّرْجَمَةُ مَعْقُودَةٌ لِبَيَانِ الْخِلَافِ هَلْ يَحْتَاجُ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَدُّ مِنَ الْأَرِقَّاءِ إِلَى أَنْ يَسْتَأْذِنَ سَيِّدُهُ الْإِمَامَ فِي إِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ أَوْ لَهُ أَنْ يُقِيمَ ذَلِكَ بِغَيْرِ مَشُورَةٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي بَابِ إِذَا زَنَتِ الْأَمَةُ قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ عَنِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا صَلَّى فَأَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلْيَدْفَعْهُ فَإِنْ أَبَى فَلْيُقَاتِلْهُ وَفَعَلَهُ أَبُو سَعِيدٍ هَذَا مُخْتَصَرٌ مِنَ الْحَدِيثِ الَّذِي تَقَدَّمَ مَوْصُولًا فِي بَابِ يَرُدُّ الْمُصَلِّي مَنْ مَرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَفْظُهُ فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَجْتَازَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلْيَدْفَعْهُ فَإِنْ أَبَى فَلْيُقَاتِلْهُ فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَأَمَّا قَوْلُهُ وَفَعَلَهُ أَبُو سَعِيدٍ فَهُوَ فِي الْبَابِ الْمَذْكُورِ بِلَفْظِ رَأَيْتُ أَبَا سَعِيدٍ يُصَلِّي وَأَرَادَ شَابٌّ أَنْ يَجْتَازَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَدفع أَبُو سَعِيدٍ فِي صَدْرِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ مُسْتَوْفًى هُنَاكَ وَالْغَرَضُ مِنْهُ أَنَّ الْخَبَرَ وَرَدَ بِالْإِذْنِ لِلْمُصَلِّي أَنْ يُؤَدِّبَ الْمُجْتَازَ بِالدَّفْعِ وَلَا يَحْتَاجُ فِي ذَلِكَ إِلَى إِذْنِ الْحَاكِمِ وَفَعَلَهُ أَبُو
الصفحة 173