كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 12)

وَالِاعْتِرَافِ بِالْحَقِّ وَالرُّجُوعِ إِلَيْهِ وَشَهَادَةُ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ بِالْعلمِ وَالْفضل وَكَثْرَة اطلَاع بن مَسْعُودٍ عَلَى السُّنَّةِ وَتَثَبُّتُ أَبِي مُوسَى فِي الْفُتْيَا حَيْثُ دَلَّ عَلَى مَنْ ظَنَّ أَنَّهُ أَعْلَمُ مِنْهُ قَالَ وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِيمَا رَوَاهُ بن مَسْعُودٍ وَفِي جَوَابِ أَبِي مُوسَى إِشْعَارٌ بِأَنَّهُ رَجَعَ عَمَّا قَالَه وَقَالَ بن عَبْدِ الْبَرِّ لَمْ يُخَالِفْ فِي ذَلِكَ إِلَّا أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ وسلمان بن رَبِيعَةَ الْبَاهِلِيُّ وَقَدْ رَجَعَ أَبُو مُوسَى عَنْ ذَلِكَ وَلَعَلَّ سَلْمَانَ أَيْضًا رَجَعَ كَأَبِي مُوسَى وَسَلْمَانُ الْمَذْكُورُ مُخْتَلَفٌ فِي صُحْبَتِهِ وَلَهُ أَثَرٌ فِي فُتُوحِ الْعِرَاقِ أَيَّامَ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَاسْتُشْهِدَ فِي زَمَنِ عُثْمَانَ وَكَانَ يُقَالُ لَهُ سَلْمَانُ الْخَيل لمعرفته بهَا وَاسْتدلَّ الطَّحَاوِيّ بِحَدِيث بن مَسْعُود هَذَا على أَن المُرَاد بِحَدِيث بن عَبَّاسٍ فَمَا أَبْقَتِ الْفَرَائِضُ فَلِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ مَنْ يَكُونُ أَقْرَبَ الْعَصَبَاتِ إِلَى الْمَيِّتِ فَلَوْ كَانَ هُنَاكَ عَصَبَةٌ أَقْرَبَ إِلَى الْمَيِّتِ وَلَوْ كَانَتْ أُنْثَى كَانَ الْمَالُ الْبَاقِي لَهَا وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ الْأَخَوَاتِ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ مَعَ الْبِنْتِ عَصَبَةً فَصِرْنَ مَعَ الْبَنَاتِ فِي حُكْمِ الذُّكُورِ مِنْ قِبَلِ الْإِرْثِ وَقَالَ غَيْرُهُ وَجْهُ كَوْنِ الْوَلَدِ الْمَذْكُورِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ ذَكَرًا أَنَّهُ الَّذِي يَسْبِقُ إِلَى الْوَهَمِ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ قَالَ وَلَدُ فُلَانٍ كَذَا فَأَوَّلُ مَا يَقَعُ فِي نَفْسِ السَّامِعِ أَنَّ الْمُرَادَ الذَّكَرَ وَإِنْ كَانَ الْإِنَاثُ أَيْضًا أَوْلَادًا بِالْحَقِيقَةِ وَلَكِنْ هُوَ أَمْرٌ شَائِعٌ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى إِنَّمَا أَمْوَالكُم وَأَوْلَادكُمْ فتْنَة وَقَالَ لن تنفعكم أَرْحَامكُم وَلَا أَوْلَادكُم وَقَالَ حِكَايَةً عَنِ الْكَافِرِ الَّذِي قَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالا وَولدا وَالْمُرَادُ بِالْأَوْلَادِ وَالْوَلَدِ فِي هَذِهِ الْآيِ الذُّكُورُ دُونَ الْإِنَاثِ لِأَنَّ الْعَرَبَ مَا كَانَتْ تَتَكَاثَرُ بِالْبَنَاتِ فَإِذَا حُمِلَ قَوْلُهُ تَعَالَى إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ عَلَى الْوَلَدِ الذَّكَرِ لَمْ يَمْنَعِ الْأُخْتَ الْمِيرَاثَ مَعَ الْبِنْتِ وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ فِي الْآيَةِ أَعَمَّ فَإِنَّهُ مُحْتَمِلٌ لِأَنْ يُرَادَ بِهِ الْعُمُومُ عَلَى ظَاهِرِهِ وَأَنْ يُرَادَ بِهِ خُصُوصُ الذَّكَرِ فَبَيَّنَتِ السُّنَّةُ الصَّحِيحَةُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الذُّكُور دون الأناث قَالَ بن الْعَرَبِيّ يُؤْخَذ من قصَّة أبي مُوسَى وبن مَسْعُودٍ جَوَازُ الْعَمَلِ بِالْقِيَاسِ قَبْلَ مَعْرِفَةِ الْخَبَرِ وَالرُّجُوعُ إِلَى الْخَبَرِ بَعْدَ مَعْرِفَتِهِ وَنَقْضُ الْحُكْمِ إِذَا خَالَفَ النَّصَّ قُلْتُ وَيُؤْخَذُ مِنْ صَنِيعِ أَبِي مُوسَى أَنَّهُ كَانَ يَرَى الْعَمَلَ بِالِاجْتِهَادِ قَبْلَ الْبَحْثِ عَنِ النَّصِّ وَهُوَ لَائِقٌ بِمَنْ يَعْمَلُ بِالْعَامِّ قَبْلَ الْبَحْثِ عَنِ الْمُخَصِّصِ وَقَدْ نقل بن الْحَاجِبِ الْإِجْمَاعَ عَلَى مَنْعِ الْعَمَلِ بِالْعُمُومِ قَبْلَ الْبَحْثِ عَنِ الْمُخَصِّصِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ أَبَوَيْ إِسْحَاقَ الاسفرايني وَالشِّيرَازِيِّ حَكَيَا الْخِلَافَ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصَّيْرَفِيُّ وَطَائِفَةٌ وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَعَنِ الْحَنَفِيَّةِ يَجِبُ الِانْقِيَادُ للْعُمُوم فِي الْحَال وَقَالَ بن شُرَيْح وبن خيران والفضال يَجِبُ الْبَحْثُ قَالَ أَبُو حَامِدٍ وَكَذَا الْخِلَافُ فِي الْأَمر وَالنَّهْي الْمُطلق

الصفحة 18