كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 12)

قَوْلُهُ إِنَّ أَحَدًا خَالَفَ أَبَا بَكْرٍ فِي زَمَانِهِ وَأَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَوَافِرُونَ كَأَنَّهُ يُرِيدُ بِذَلِكَ تَقْوِيَةَ حُجَّةِ الْقَوْلِ الْمَذْكُورِ فَإِنَّ الْإِجْمَاعَ السُّكُوتِيَّ حُجَّةٌ وَهُوَ حَاصِلٌ فِي هَذَا وَمِمَّنْ جَاءَ عَنْهُ التَّصْرِيحُ بِأَنَّ الْجَدَّ يَرِثُ مَا كَانَ يَرِثُ الْأَبُ عِنْدَ عَدَمِ الْأَبِ غَيْرَ مَنْ سَمَّاهُ الْمُصَنِّفُ مُعَاذٌ وَأَبُو الدَّرْدَاءِ وَأَبُو مُوسَى وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ وَعَائِشَةُ وَأَبُو هُرَيْرَةُ وَنُقِلَ ذَلِكَ أَيْضًا عَنْ عمر وَعُثْمَان وَعلي وبن مَسْعُودٍ عَلَى اخْتِلَافٍ عَنْهُمْ كَمَا سَيَأْتِي وَمِنَ التَّابِعِينَ عَطَاءٌ وَطَاوُسٌ وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ وَأَبُو الشَّعْثَاءِ وَشُرَيْحٌ وَالشَّعْبِيُّ وَمن فُقَهَاء الْأَمْصَار عُثْمَان التَّيْمِيّ وأبوحنيفة وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ وَدَاوُدُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَالْمُزَنِيُّ وبن سُرَيْجٍ وَذَهَبَ عُمَرُ وَعَلِيٌّ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وبن مَسْعُودٍ إِلَى تَوْرِيثِ الْإِخْوَةِ مَعَ الْجَدِّ لَكِنِ اخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ ذَلِكَ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ قَوْله وَقَالَ بن عَبَّاس يَرِثنِي بن ابْني دون إخوتي وَلَا أرث أَنا بن ابْنِي وَصَلَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ مِنْ طَرِيقِ عَطَاءٍ عَنهُ قَالَ فَذكره قَالَ بن عبد الْبر وَجه قِيَاس بن عَبَّاس أَن بن الِابْنِ لَمَّا كَانَ كَالِابْنِ عِنْدَ عَدَمِ الِابْنِ كَانَ أَبُو الْأَبِ عِنْدَ عَدَمِ الْأَبِ كَالْأَبِ وَقد ذكر من وَافق بن عَبَّاسٍ فِي هَذَا تَوْجِيهَ قِيَاسِهِ الْمَذْكُورِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ كَالْأَبِ فِي الشَّهَادَةِ لَهُ وَفِي الْعِتْقِ عَلَيْهِ وَأَنَّهُ لَا يفتص مِنْهُ وَأَنَّهُ ذُو فَرْضٍ أَوْ عَاصِبٍ وَعَلَى أَنَّ مَنْ تَرَكَ ابْنًا وَأَبًا أَنَّ لِلْأَبِ السُّدُسَ وَالْبَاقِيَ لِلِابْنِ وَكَذَا لَوْ تَرَكَ جَدَّةً لِأَبِيهِ وَابْنًا وَعَلَى أَنَّ الْجَدَّ يَضْرِبُ مَعَ أَصْحَابِ الْفُرُوضِ بِالسُّدُسِ كَمَا يَضْرِبُ الْأَبُ سَوَاءً قِيلَ بِالْعَوْلِ أَمْ لَا وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ بن الِابْنِ بِمَنْزِلَةِ الِابْنِ فِي حَجْبِ الزَّوْجِ عَنِ النِّصْفِ وَالْمَرْأَةِ عَنِ الرُّبُعِ وَالْأُمِّ عَنِ الثُّلُثِ كَالِابْنِ سَوَاءً فَلَوْ أَنَّ رَجُلًا تَرَكَ أَبَوَيْهِ وبن ابْنِهِ كَانَ لِكُلٍّ مِنْ أَبَوَيْهِ السُّدُسُ وَأَنَّ مَنْ تَرَكَ أَبَا جَدِّهِ وَعَمَّهُ أَنَّ الْمَالَ لِأَبِي جَدِّهِ دُونَ عَمِّهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لِوَالِدِ أَبِيهِ دُونَ إِخْوَتِهِ فَيَكُونُ الْجَدُّ أَوْلَى مِنْ أَوْلَادِ أَبِيهِ كَمَا أَنَّ أَبَاهُ أَوْلَى مِنْ أَوْلَادِ أَبِيهِ وَعَلَى أَنَّ الْإِخْوَةَ مِنَ الْأُم لَا يَرِثُونَ مَعَ الْجد كَمَا لايرثون مَعَ الْأَبِ فَحَجَبَهُمُ الْجَدُّ كَمَا حَجَبَهُمُ الْأَبُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْجَدُّ كَالْأَبِ فِي حَجْبِ الْإِخْوَةِ وَكَذَا الْقَوْلُ فِي بَنِي الْإِخْوَةِ وَلَوْ كَانُوا أَشِقَّاءَ وَقَالَ السُّهَيْلِيُّ لَمْ يَرَ زَيْدُ بن ثَابت لاحتجاج بن عَبَّاس بقوله تَعَالَى يَا بني آدم وَنَحْوِهَا مِمَّا ذُكِرَ عَنْهُ حُجَّةً لِأَنَّ ذَلِكَ ذُكِرَ فِي مَقَامِ النِّسْبَةِ وَالتَّعْرِيفِ فَعَبَّرَ بِالْبُنُوَّةِ وَلَوْ عَبَّرَ بِالْوِلَادَةِ لَكَانَ فِيهِ مُتَعَلَّقٌ وَلَكِنْ بَيْنَ التَّعْبِيرِ بِالْوَلَدِ وَالِابْنِ فَرْقٌ وَلِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى يُوصِيكُم الله فِي أَوْلَادكُم وَلَمْ يَقُلْ فِي أَبْنَائِكُمْ وَلَفْظُ الْوَلَدِ يَقَعُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَالْوَاحِدِ وَالْجَمْعِ بِخِلَافِ الِابْنِ وَأَيْضًا فَلَفْظُ الْوَلَدِ يَلِيقُ بِالْمِيرَاثِ بِخِلَافِ الِابْنِ تَقول بن فُلَانٍ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَلَا تَقُولِ وَلَدُهُ وَكَذَا كَانَ مَنْ يَتَبَنَّى وَلَدَ غَيْرِهِ قَالَ لَهُ ابْنِي وَتَبَنَّاهُ وَلَا يَقُولُ وَلَدِي وَلَا وَلَدَهُ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ فِي آيَةِ التَّحْرِيمِ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُم إِذْ لَوْ قَالَ وَحَلَائِلُ أَوْلَادِكُمْ لَمْ يَحْتَجْ إِلَى أَنْ يَقُولَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ لِأَنَّ الْوَلَدَ لَا يَكُونُ إِلَّا مِنْ صُلْبٍ أَوْ بَطْنٍ قَوْله وَيذكر عَن عمر وَعلي وبن مَسْعُودٍ وَزَيْدٍ أَقَاوِيلُ مُخْتَلِفَةٌ سَقَطَ ذِكْرُ زَيْدٍ من شرح بن بَطَّالٍ فَلَعَلَّهُ مِنَ النُّسْخَةِ وَقَدْ أَخَذَ بِقَوْلِهِ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَتَمَسَّكُوا بِحَدِيثِ أَفْرَضُكُمْ زَيْدٌ وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيّ وبن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسٍ وَأَعَلَّهُ بِالْإِرْسَالِ وَرَجَّحَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْخَطِيبُ وَغَيْرُهُمَا وَلَهُ مُتَابَعَاتٌ وَشَوَاهِدُ ذَكَرْتُهَا فِي تَخْرِيجِ أَحَادِيثِ الرَّافِعِيِّ فَأَمَّا عُمَرُ فَأَخْرَجَ الدَّارِمِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ أَوَّلُ جَدٍّ وَرِثَ فِي الْإِسْلَامِ عُمَرُ فَأَخَذَ مَالَهُ فَأَتَاهُ عَلِيٌّ وَزَيْدٌ يَعْنِي بن ثَابِتٍ فَقَالَا لَيْسَ لَكَ ذَلِكَ إِنَّمَا أَنْتَ كَأحد الْأَخَوَيْنِ وَأخرج بن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ مِثْلَهُ دُونَ قَوْلِهِ فَأَتَاهُ إِلَخْ لَكِنْ قَالَ فَأَرَادَ عُمَرُ أَنْ يَحْتَازَ الْمَالَ فَقُلْتُ لَهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّهُمْ شَجَرَةٌ دُونَكَ يَعْنِي بَنِي أَبِيهِ وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ

الصفحة 20