كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 12)

عَبْدٌ قَتَلُوا بِهِ حُرًّا أَوِ امْرَأَةٌ قَتَلُوا بِهَا رَجُلًا أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ عَنِ الشَّعْبِيِّ وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ صَالِحِ بْنِ حَيٍّ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ بن عَبَّاسٍ قَالَ كَانَ قُرَيْظَةُ وَالنَّضِيرُ وَكَانَ النَّضِيرُ أَشْرَفَ مِنْ قُرَيْظَةَ فَكَانَ إِذَا قَتَلَ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْظَةَ رَجُلًا مِنَ النَّضِيرِ قُتِلَ بِهِ وَإِذَا قَتَلَ رَجُلٌ مِنَ النَّضِيرِ رَجُلًا مِنْ قُرَيْظَةَ يُودَى بِمِائَةِ وَسْقٍ مِنَ التَّمْرِ فَلَمَّا بُعِثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَتَلَ رَجُلٌ مِنَ النَّضِيرِ رَجُلًا مِنْ قُرَيْظَةَ فَقَالُوا ادْفَعُوهُ لَنَا نَقْتُلْهُ فَقَالُوا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَوْهُ فَنَزَلَتْ وَإِنْ حكمت فاحكم بَينهم بِالْقِسْطِ وَالْقِسْطُ النَّفْسُ بِالنَّفْسِ ثُمَّ نَزَلَتْ أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَاسْتَدَلَّ بِهِ الْجُمْهُورُ عَلَى جَوَازِ أَخْذِ الدِّيَةِ فِي قَتْلِ الْعَمْدِ وَلَوْ كَانَ غِيلَةً وَهُوَ أَنْ يَخْدَعَ شَخْصًا حَتَّى يَصِيرَ بِهِ إِلَى مَوْضِعٍ خَفِيٍّ فَيَقْتُلُهُ خِلَافًا لِلْمَالِكِيَّةِ وَأَلْحَقَهُ مَالِكٌ بِالْمُحَارِبِ فَإِنَّ الْأَمْرَ فِيهِ إِلَى السُّلْطَانِ وَلَيْسَ لِلْأَوْلِيَاءِ الْعَفْوُ عَنْهُ وَهَذَا عَلَى أَصْلِهِ فِي أَنَّ حَدَّ الْمُحَارِبِ الْقَتْلُ إِذَا رَآهُ الْإِمَامُ وَأَنَّ أَوْ فِي الْآيَةِ لِلتَّخْيِيرِ لَا لِلتَّنْوِيعِ وَفِيهِ أَنَّ مَنْ قَتَلَ مُتَأَوِّلًا كَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ مَنْ قَتَلَ خَطَأً فِي وُجُوبِ الدِّيَةِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنِّي عَاقِلَهُ وَاسْتَدَلَّ بِهِ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ عَلَى قَتْلِ مَنِ الْتَجَأَ إِلَى الْحَرَمِ بَعْدَ أَنْ يَقْتُلَ عَمْدًا خِلَافًا لِمَنْ قَالَ لَا يُقْتَلُ فِي الْحَرَمِ بَلْ يُلْجَأُ إِلَى الْخُرُوجِ مِنْهُ وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَهُ فِي قِصَّةِ قَتِيلِ خُزَاعَةَ الْمَقْتُولِ فِي الْحَرَمِ وَأَنَّ الْقَوَدَ مَشْرُوعٌ فِيمَنْ قَتَلَ عَمْدًا وَلَا يُعَارِضُهُ مَا ذُكِرَ مِنْ حُرْمَةِ الْحَرَمِ فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهِ تَعْظِيمُهُ بِتَحْرِيمِ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَإِقَامَةُ الْحَدِّ عَلَى الْجَانِي بِهِ مِنْ جُمْلَةِ تَعْظِيمِ حُرُمَاتِ اللَّهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَيْءٌ مِنْ هَذَا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي أَشَرْتُ إِلَيْهِ آنِفًا مِنْ كتاب الْحَج

(قَوْلُهُ بَابُ مَنْ طَلَبَ دَمَ امْرِئٍ بِغَيْرِ حَقٍّ)
أَيْ بَيَانِ حُكْمِهِ

[6882] قَوْلُهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ نُسِبَ إِلَى جَدِّهِ وَثَبَتَ ذِكْرُ أَبِيهِ فِي هَذَا السَّنَدِ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فِي نُسْخَةِ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ وَكَذَا فِي مُسْتَخْرَجِ أَبِي نُعَيْمٍ وَنَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ أَي بن مُطْعِمٍ قَوْلُهُ أَبْغَضُ هُوَ أَفْعَلُ مِنَ الْبُغْضِ قَالَ وَهُوَ شَاذٌّ وَمِثْلُهُ أَعْدَمُ مِنَ الْعَدَمِ إِذَا افْتَقَرَ قَالَ وَإِنَّمَا يُقَالُ أَفْعَلُ مِنْ كَذَا لِلْمُفَاضَلَةِ فِي الْفِعْلِ الثُّلَاثِيِّ قَالَ الْمُهَلَّبُ وَغَيْرُهُ الْمُرَادُ بِهَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ أَنَّهُمْ أَبْغَضُ أَهْلِ الْمَعَاصِي إِلَى اللَّهِ فَهُوَ كَقَوْلِهِ أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ وَإِلَّا فَالشِّرْكُ أَبْغَضُ إِلَى اللَّهِ مِنْ جَمِيعِ الْمَعَاصِي قَوْلُهُ مُلْحِدٌ فِي الْحَرَمِ أَصْلُ الْمُلْحِدِ هُوَ الْمَائِلُ عَنِ الْحَقِّ وَالْإِلْحَادُ الْعُدُولُ عَنِ الْقَصْدِ وَاسْتُشْكِلَ بِأَنَّ مُرْتَكِبَ الصَّغِيرَةِ مَائِلٌ عَنِ الْحَقِّ وَالْجَوَابُ أَنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ فِي الْعُرْفِ مُسْتَعْمَلَةٌ لِلْخَارِجِ عَنِ الدِّينِ فَإِذَا وُصِفَ بِهِ مَنِ ارْتَكَبَ مَعْصِيَةً كَانَ فِي ذَلِكَ إِشَارَةٌ إِلَى عِظَمِهَا وَقِيلَ إِيرَادُهُ بِالْجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ مُشْعِرٌ بِثُبُوتِ الصِّفَةِ ثُمَّ التَّنْكِيرُ لِلتَّعْظِيمِ فَيَكُونُ ذَلِكَ إِشَارَةً إِلَى عِظَمِ الذَّنْبِ وَقَدْ تَقَدَّمَ قَرِيبًا فِي عَدِّ الْكَبَائِرِ مُسْتَحِلَّ الْبَيْتِ الْحَرَامِ وَأَخْرَجَ الثَّوْرِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ عَنِ السُّدِّيِّ عَنْ مُرَّةَ عَن بن مَسْعُودٍ قَالَ مَا مِنْ رَجُلٍ يَهُمُّ بِسَيِّئَةٍ فَتُكْتَبُ عَلَيْهِ إِلَّا أَنَّ رَجُلًا لَوْ هَمَّ بِعَدَنِ أَبْيَنَ أَنْ يَقْتُلَ رَجُلًا بِالْبَيْتِ الْحَرَامِ إِلَّا أَذَاقَهُ اللَّهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ وَهَذَا سَنَدٌ صَحِيحٌ وَقَدْ ذَكَرَ شُعْبَةُ أَنَّ السُّدِّيَّ رَفَعَهُ لَهُمْ وَكَانَ شُعْبَةُ يَرْوِيهِ عَنْهُ مَوْقُوفًا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ عَنْ شُعْبَةَ

الصفحة 210