كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 12)
مَا يَسْتَحِقُّهُ فَإِذَا جُعِلَ لَهُ الْعَفْوُ كَانَ ذَلِكَ لِلْأَصِيلِ أَوْلَى وَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ مُرْسَلِ قَتَادَةَ أَنَّ عُرْوَةَ بْنَ مَسْعُودٍ لَمَّا دَعَا قَوْمَهُ إِلَى الْإِسْلَامِ فَرُمِيَ بِسَهْمٍ فَقُتِلَ عَفَا عَنْ قَاتِلِهِ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ فَأَجَازَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَفْوَهُ
[6883] قَوْلُهُ حَدَّثَنَا فَرْوَةُ بِفَاءٍ هُوَ بن أَبِي الْمَغْرَاءَ قَوْلُهُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ هُزِمَ الْمُشْرِكُونَ يَوْمَ أُحُدٍ سَقَطَ هَذَا الْقَدْرُ لِأَبِي ذَرٍّ وَتَحَوَّلَ إِلَى السَّنَدِ الْآخَرِ فَصَارَ ظَاهِرُهُ أَنَّ الرِّوَايَتَيْنِ سَوَاءٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَيَحْيَى بْنُ أَبِي زَكَرِيَّا فِي السَّنَدِ الثَّانِي هُوَ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى الْغَسَّانِيُّ وَسَاقَ الْمَتْنَ هُنَا عَلَى لَفْظِهِ وَأَمَّا لَفْظُ عَلِيِّ بْنِ مُسْهِرٍ فَتَقَدَّمَ فِي بَابِ مَنْ حَنِثَ نَاسِيًا مِنْ كِتَابِ الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ وَقَدْ بَيَّنْتُ ذَلِكَ فِي الْكَلَامِ عَلَيْهِ فِي غَزْوَةِ أُحُدٍ قَوْلُهُ فَقَالَ حُذَيْفَةُ غَفَرَ اللَّهُ لَكُمْ اسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ قَالَ إِنَّ دِيَتَهُ وَجَبَتْ عَلَى مَنْ حَضَرَ لِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ غَفَرَ اللَّهُ لَكُمْ عَفَوْتُ عَنْكُمْ وَهُوَ لَا يَعْفُو إِلَّا عَنْ شَيْءٍ اسْتُحِقَّ لَهُ أَنْ يُطَالِبَ بِهِ وَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيُّ فِي السُّنَنِ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْطَأَ الْمُسْلِمُونَ بِأَبِي حُذَيْفَةَ يَوْمَ أُحُدٍ حَتَّى قَتَلُوهُ فَقَالَ حُذَيْفَةُ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فَبَلَغَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَزَادَهُ عِنْدَهُ خَيْرًا وَوَدَاهُ مِنْ عِنْدِهِ وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ تَرُدُّ قَوْلَ مَنْ حَمَلَ قَوْلَهُ فَلَمْ يَزَلْ فِي حُذَيْفَةَ مِنْهَا بَقِيَّةُ خَيْرٍ عَلَى الْحُزْنِ عَلَى أَبِيهِ وَقَدْ أَوْضَحْتُ الرَّدَّ عَلَيْهِ فِي بَابِ مَنْ حَنِثَ نَاسِيًا وَيُؤْخَذُ مِنْهَا أَيْضًا التَّعَقُّبُ عَلَى الْمُحِبِّ الطَّبَرِيِّ حَيْثُ قَالَ حَمَلَ الْبُخَارِيُّ قَوْلَ حُذَيْفَةَ غَفَرَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَى الْعَفْوِ عَنِ الضَّمَانِ وَلَيْسَ بِصَرِيحٍ فَيُجَابُ بِأَنَّ الْبُخَارِيَّ أَشَارَ بِهَذَا الَّذِي هُوَ غَيْرُ صَرِيحٍ إِلَى مَا وَرَدَ صَرِيحًا وَإِنْ كَانَ لَيْسَ عَلَى شَرْطِهِ فَإِنَّهُ يُؤَيّد مَا ذهب إِلَيْهِ
(قَوْلُهُ بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَا كَانَ لمُؤْمِن أَن يقتل مُؤمنا إِلَّا خطأ)
كَذَا لأبي ذَر وبن عَسَاكِرَ وَسَاقَ الْبَاقُونَ الْآيَةَ إِلَى عَلِيمًا حَكِيمًا وَلَمْ يَذْكُرْ مُعْظَمُهُمْ فِي هَذَا الْبَابِ حَدِيثًا قَوْلُهُ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خطأ ذكر بن إِسْحَاقَ فِي السِّيرَةِ سَبَبَ نُزُولِهَا عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَيَّاش بتحتانية وشين مُعْجمَة أَي بن رَبِيعَةَ الْمَخْزُومِيِّ قَالَ قَالَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقُ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي جَدِّكَ عَيَّاشِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ وَالْحَارِثِ بْنِ يَزِيدَ مِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ وَكَانَ يُؤْذِيهِمْ بِمَكَّةَ وَهُوَ كَافِرٌ فَلَمَّا هَاجَرَ الْمُسْلِمُونَ أَسْلَمَ الْحَارِثُ وَأَقْبَلَ مُهَاجِرًا حَتَّى إِذَا كَانَ بِظَاهِرِ الْحَرَّةِ لَقِيَهُ عَيَّاشُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ فَظَنَّهُ عَلَى شِرْكِهِ فَعَلَاهُ بِالسَّيْفِ حَتَّى قَتَلَهُ فَنَزَلَتْ رَوَى هَذِهِ الْقِصَّةَ أَبُو يَعْلَى مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ بن إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ فَذَكَرَهَا مُرْسَلَةً أَيْضًا وَزَادَ فِي السَّنَدِ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بن الْقَاسِم وَأخرج بن أَبِي حَاتِمٍ فِي التَّفْسِيرِ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّ عَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ حَلَفَ لَيَقْتُلَنَّ الْحَارِثَ بْنَ يَزِيدَ إِنْ ظَفِرَ بِهِ فَذَكَرَ نَحْوَهُ وَمِنْ طَرِيقِ مُجَاهِدٍ نَحْوُهُ لَكِنْ لَمْ يُسَمِّ الْحَارِثَ وَفِي سِيَاقِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَقِيَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ أَنْ أَسْلَمَ ثُمَّ خَرَجَ فَقَتَلَهُ عَيَّاشُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ وَقِيلَ فِي سَبَبِ نُزُولِهَا غَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَثْبُتُ قَوْلُهُ إِلَّا خَطَأً هُوَ اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ إِنْ أُرِيدَ بِالنَّفْيِ مَعْنَاهُ فَإِنَّهُ لَوْ قُدِّرَ مُتَّصِلًا لَكَانَ مَفْهُومُهُ فَلَهُ قَتْلُهُ وَانْفَصَلَ مَنْ قَالَ إِنَّهُ مُتَّصِلٌ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّفْيِ
الصفحة 212