كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 12)
الصَّوَابَ وَجَرَحَتِ الرُّبَيِّعُ بِحَذْفِ لَفْظَةِ أُخْتٍ فَإِنَّهُ الْمُوَافِقُ لِمَا تَقَدَّمَ فِي الْبَقَرَةِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ الرُّبَيِّعَ بِنْتَ النَّضْرِ عمته كسرت ثنية جَارِيَة فَقَالَ رَسُول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كِتَابُ اللَّهِ الْقِصَاصُ قَالَ إِلَّا أَنْ يُقَالَ إِنَّ هَذِهِ امْرَأَةٌ أُخْرَى لَكِنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ كَذَا قَالَ وَقَدْ ذَكَرَ جَمَاعَةٌ أَنَّهُمَا قِصَّتَانِ وَالْمَذْكُورُ هُنَا طَرَفٌ مِنْ حَدِيثٍ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ أُخْتَ الرُّبَيِّعِ أُمَّ حَارِثَةَ جَرَحَتْ إِنْسَانًا فَاخْتَصَمُوا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ الْقِصَاصَ الْقِصَاصَ فَقَالَتْ أُمُّ الرَّبِيعِ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُقْتَصُّ مِنْ فُلَانَةٍ وَاللَّهِ لَا يُقْتَصُّ مِنْهَا فَقَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ يَا أُمَّ الرُّبَيِّعِ الْقِصَاصُ كِتَابُ اللَّهِ فَمَا زَالَتْ حَتَّى قَبِلُوا الدِّيَةَ فَقَالَ إِنَّ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ مَنْ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ والْحَدِيث الْمُشَارُ إِلَيْهِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ مُخْتَصَرٌ مِنْ حَدِيثٍ طَوِيلٍ سَاقَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصُّلْحِ بِتَمَامِهِ مِنْ طَرِيقِ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ وَفِيهِ فَقَالَ أَنَسُ بْنُ النَّضْرِ أَتُكْسَرُ ثَنِيَّةُ الرُّبَيِّعِ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَا وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَا تُكْسَرُ ثَنِيَّتُهَا قَالَ يَا أَنَسُ كِتَابُ اللَّهِ الْقِصَاصُ فَرَضِيَ الْقَوْمُ وَعَفَوْا فَقَالَ إِنَّ مِنْ عباد الله لَو من أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ وَسَيَأْتِي بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَبْوَابٍ أَيْضًا بِاخْتِصَارٍ قَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ الْعُلَمَاءُ الْمَعْرُوفُ رِوَايَةُ الْبُخَارِيِّ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَا قِصَّتَيْنِ قلت وَجزم بن حَزْمٍ بِأَنَّهُمَا قِصَّتَانِ صَحِيحَتَانِ وَقَعَتَا لِامْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ إِحْدَاهُمَا أَنَّهَا جَرَحَتْ إِنْسَانًا فَقُضِيَ عَلَيْهَا بِالضَّمَانِ وَالْأُخْرَى أَنَّهَا كَسَرَتْ ثَنِيَّةَ جَارِيَةٍ فَقُضِيَ عَلَيْهَا بِالْقِصَاصِ وَحَلَفَتْ أُمُّهَا فِي الْأُولَى وَأَخُوهَا فِي الثَّانِيَةِ وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ بَعْدَ أَنْ أَوْرَدَ الرِّوَايَتَيْنِ ظَاهِرُ الْخَبَرَيْنِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمَا قِصَّتَانِ فَإِنْ قُبِلَ هَذَا الْجَمْعُ وَإِلَّا فَثَابِتٌ أَحْفَظُ مِنْ حُمَيْدٍ قُلْتُ فِي الْقِصَّتَيْنِ مُغَايَرَاتٌ مِنْهَا هَلِ الْجَانِيَةُ الرُّبَيِّعُ أَوْ أُخْتُهَا وَهَلِ الْجِنَايَةُ كَسْرُ الثَّنِيَّةِ أَوِ الْجِرَاحَةُ وَهَلِ الْحَالِفُ أُمُّ الرُّبَيِّعِ أَوْ أَخُوهَا أَنَسُ بْنُ النَّضْرِ وَأَمَّا مَا وَقَعَ فِي أَوَّلِ الْجِنَايَاتِ عِنْدَ الْبَيْهَقِيِّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ لَطَمَتِ الرُّبَيِّعُ بِنْتُ مُعَوِّذٍ جَارِيَةً فَكَسَرَتْ ثَنِيَّتَهَا فَهُوَ غَلَطٌ فِي ذِكْرِ أَبِيهَا وَالْمَحْفُوظُ أَنَّهَا بِنْتُ النَّضْرِ عَمَّةُ أَنَسٍ كَمَا وَقَعَ التَّصْرِيحُ بِهِ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّ كُلَّ مَنْ وَجَبَ لَهُ الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ أَوْ دُونِهَا فَعَفَا عَلَى مَالٍ فَرَضُوا بِهِ جَازَ
[6886] قَوْلُهُ يَحْيَى هُوَ الْقَطَّانُ وَسُفْيَانُ هُوَ الثَّوْرِيُّ قَوْلُهُ لَدَدْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِهِ فَقَالَ لَا تَلُدُّونِي تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي الْوَفَاةِ النَّبَوِيَّةِ وَالْمُرَادُ مِنْهُ هُنَا لَا يَبْقَى أَحَدٌ مِنْكُمْ إِلَّا لُدَّ فَإِنَّ فِيهِ إِشَارَةً إِلَى مَشْرُوعِيَّةِ الِاقْتِصَاصِ مِنَ الْمَرْأَةِ بِمَا جَنَتْهُ عَلَى الرَّجُلِ لِأَنَّ الَّذِينَ لَدُّوهُ كَانُوا رِجَالًا وَنِسَاءً وَقَدْ وَرَدَ التَّصْرِيحُ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ بِأَنَّهُمْ لَدُّوا مَيْمُونَةَ وَهِيَ صَائِمَةٌ مِنْ أَجْلِ عُمُومِ الْأَمْرِ كَمَا مَضَى فِي الْوَفَاةِ النَّبَوِيَّةِ مِنْ وَجْهَيْنِ قَوْلُهُ غَيْرَ الْعَبَّاسِ فَإِنَّهُ لَمْ يَشْهَدْكُمْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ أَيْضًا فِي الْوَفَاةِ النَّبَوِيَّةِ قَبْلُ وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّ صَاحِبَ الْحَقِّ يَسْتَثْنِي مِنْ غُرَمَائِهِ مَنْ شَاءَ فَيَعْفُو عَنْهُ وَيَقْتَصُّ مِنَ الْبَاقِينَ وَفِيهِ نَظَرٌ لِقَوْلِهِ لَمْ يَشْهَدْكُمْ وَفِيهِ أَخْذُ الْجَمَاعَةِ بِالْوَاحِدِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَفِيهِ حُجَّةٌ لِمَنْ رَأَى الْقِصَاصَ فِي اللَّطْمَةِ وَنَحْوِهَا وَاعْتَلَّ مَنْ لَمْ يَرَ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّطْمَ يُتَعَذَّرُ ضَبْطُهُ وَتَقْدِيرُهُ بِحَيْثُ لَا يَزِيدُ وَلَا يَنْقُصُ وَأَمَّا اللُّدُودُ فَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ قِصَاصًا وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ مُعَاقَبَةً عَلَى مُخَالَفَةِ أَمْرِهِ فَعُوقِبُوا مِنْ جِنْسِ جِنَايَتِهِمْ وَفِيهِ أَنَّ الشُّرَكَاءَ فِي الْجِنَايَةِ يُقْتَصُّ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ إِذَا كَانَتْ أَفْعَالُهُمْ لَا تَتَمَيَّزُ بِخِلَافِ الْجِنَايَةِ فِي الْمَالِ لِأَنَّهَا تَتَبَعَّضُ إِذْ لَوِ اشْتَرَكَ جَمَاعَةٌ فِي سَرِقَةِ رُبْعِ دِينَارٍ لَمْ يُقْطَعُوا اتِّفَاقًا وَسَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ بَعْدَ سِتَّة أَبْوَاب
الصفحة 215