كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 12)

الْقَاضِي وَحُجَّتُهُمْ حَدِيثُ الْبَابِ يَعْنِي مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الَّتِي أَشَرْتُ إِلَيْهَا قَالَ فَإِنَّ مَجِيئَهُ مِنْ طُرُقٍ صِحَاحٍ لَا يُدْفَعُ وَفِيهِ تَبْرِئَةُ الْمُدَّعِينَ ثُمَّ رَدُّهَا حِينَ أَبَوْا عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إِلَّا الْقَسَامَةَ وَيَقُولُ مَالِكٌ أَجْمَعَتِ الْأَئِمَّةُ فِي الْقَدِيمِ وَالْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ الْمُدَّعِينَ يَبْدَءُونَ فِي الْقَسَامَةِ وَلِأَنَّ جَنَبَةَ الْمُدَّعِي إِذَا قَوِيَتْ بِشَهَادَةٍ أَو شُبْهَة صَارَت الْيَمين لَهُ وَهَهُنَا الشُّبْهَةُ قَوِيَّةٌ وَقَالُوا هَذِهِ سُنَّةٌ بِحِيَالِهَا وَأَصْلٌ قَائِمٌ بِرَأْسِهِ لِحَيَاةِ النَّاسِ وَرَدْعِ الْمُعْتَدِينَ وَخَالَفَتِ الدَّعَاوَى فِي الْأَمْوَالِ فَهِيَ عَلَى مَا وَرَدَ فِيهَا وَكُلُّ أَصْلٍ يُتَّبَعُ وَيُسْتَعْمَلُ وَلَا تُطْرَحُ سُنَّةٌ لِسُنَّةٍ وَأَجَابُوا عَنْ رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ عُبَيْدٍ يَعْنِي الْمَذْكُورَةَ فِي حَدِيثِ هَذَا الْبَابِ بِقَوْلِ أَهْلِ الْحَدِيثِ إِنَّهُ وَهْمٌ مِنْ رِوَايَةٍ أَسْقَطَ مِنَ السِّيَاقِ تَبْرِئَةَ الْمُدَّعِينَ بِالْيَمِينِ لِكَوْنِهِ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ رَدَّ الْيَمِينِ وَاشْتَمَلَتْ رِوَايَةُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَلَى زِيَادَةٍ مِنْ ثِقَةٍ حَافِظٍ فَوَجَبَ قَبُولُهَا وَهِيَ تَقْضِي عَلَى مَنْ لَمْ يَعْرِفْهَا قُلْتُ وَسَيَأْتِي مَزِيدُ بَيَانٍ لِذَلِكَ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ الْأَصْلُ فِي الدَّعَاوَى أَنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَحُكْمَ الْقَسَامَةِ أَصْلٌ بِنَفْسِهِ لِتَعَذُّرِ إِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْقَتْلِ فِيهَا غَالِبًا فَإِنَّ الْقَاصِدَ لِلْقَتْلِ يَقْصِدُ الْخَلْوَةَ وَيَتَرَصَّدُ الْغَفْلَةَ وَتَأَيَّدَتْ بِذَلِكَ الرِّوَايَةُ الصَّحِيحَةُ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهَا وَبَقِيَ مَا عَدَا الْقَسَامَةَ عَلَى الْأَصْلِ ثُمَّ لَيْسَ ذَلِكَ خُرُوجًا عَنِ الْأَصْلِ بِالْكُلِّيَّةِ بَلْ لِأَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إِنَّمَا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ لِقُوَّةِ جَانِبِهِ بِشَهَادَةِ الْأَصْلِ لَهُ بِالْبَرَاءَةِ مِمَّا ادُّعِيَ عَلَيْهِ وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي الْقَسَامَةِ فِي جَانِبِ الْمُدَّعِي لِقُوَّةِ جَانِبِهِ بِاللَّوْثِ الَّذِي يُقَوِّي دَعْوَاهُ قَالَ عِيَاضٌ وَذَهَبَ مَنْ قَالَ بِالدِّيَةِ إِلَى تَقْدِيمِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ فِي الْيَمِينِ إِلَّا الشَّافِعِيَّ وَأَحْمَدَ فَقَالَا بِقَوْلِ الْجُمْهُورِ يُبْدَأُ بِأَيْمَانِ الْمُدَّعِينَ وَرَدِّهَا إِنْ أَبَوْا عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ وَقَالَ بِعَكْسِهِ أَهْلُ الْكُوفَةِ وَكَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ وَبَعْضُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْأَوْزَاعِيُّ فَقَالَ يَسْتَحْلِفُ مِنْ أهل الْقرْيَة خَمْسُونَ رَجُلًا خَمْسِينَ يَمِينًا مَا قَتَلْنَاهُ وَلَا عَلِمْنَا من قَتله فان حلفوا برءوا وَإِنْ نَقَصَتْ قَسَامَتُهُمْ عَنْ عَدَدٍ أَوْ نَكَلُوا حَلَفَ الْمُدَّعُونَ عَلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ وَاسْتَحَقُّوا فَإِنْ نَقَصَتْ قَسَامَتُهُمْ قَادَهُ دِيَةً وَقَالَ عُثْمَانُ الْبَتِّيُّ مِنْ فُقَهَاءِ الْبَصْرَةِ ثُمَّ يُبْدَأُ بِالْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ بِالْأَيْمَانِ فَإِنْ حَلَفُوا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ إِذَا حَلَفُوا وَجَبَتْ عَلَيْهِمُ الدِّيَةُ وَجَاءَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ قَالَ وَاتَّفَقُوا كُلُّهُمْ عَلَى أَنَّهَا لَا تَجِبُ بِمُجَرَّدِ دَعْوَى الْأَوْلِيَاءِ حَتَّى يَقْتَرِنَ بِهَا شُبْهَةٌ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ الْحُكْمُ بِهَا وَاخْتَلَفُوا فِي تَصْوِيرِ الشُّبْهَةِ عَلَى سَبْعَةِ أَوْجُهٍ فَذَكَرَهَا وَمُلَخَّصُهَا الْأَوَّلُ أَنْ يَقُولَ الْمَرِيضُ دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ بِهِ أَثَرٌ أَوْ جُرْحٌ فَإِنَّ ذَلِكَ يُوجِبُ الْقَسَامَةَ عِنْدَ مَالِكٍ وَاللَّيْثِ لَمْ يَقُلْ بِهِ غَيْرُهُمَا وَاشْتَرَطَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ الْأَثَرَ أَوِ الْجُرْحَ وَاحْتُجَّ لِمَالِكٍ بِقِصَّةِ بَقَرَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَالَ وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْهَا أَنَّ الرَّجُلَ حَيٌّ فَأَخْبَرَ بِقَاتِلِهِ وَتُعُقِّبَ بِخَفَاءِ الدَّلَالَةِ مِنْهَا وَقد بَالغ بن حَزْمٍ فِي رَدِّ ذَلِكَ وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ الْقَاتِلَ يتطلب حَالَة غَفلَة النَّاس فتنعذر الْبَيِّنَةُ فَلَوْ لَمْ يُعْمَلْ بِقَوْلِ الْمَضْرُوبِ لَأَدَّى ذَلِكَ إِلَى إِهْدَارِ دَمِهِ لِأَنَّهَا حَالَةٌ يَتَحَرَّى فِيهَا اجْتِنَابَ الْكَذِبِ وَيَتَزَوَّدُ فِيهَا مِنَ الْبِرِّ وَالتَّقوى وَهَذَا إِنَّمَا يَأْتِي فِي حَال الْمُحْتَضَرِ الثَّانِيَةُ أَنْ يَشْهَدَ مَنْ لَا يَكْمُلُ النِّصَابُ بِشَهَادَتِهِ كَالْوَاحِدِ أَوْ جَمَاعَةٍ غَيْرِ عُدُولٍ قَالَ بِهَا الْمَذْكُورَانِ وَوَافَقَهُمَا الشَّافِعِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ الثَّالِثَةُ أَنْ يَشْهَدَ عَدْلَانِ بِالضَّرْبِ ثُمَّ يَعِيشُ بَعْدَهُ أَيَّامًا ثُمَّ يَمُوتُ مِنْهُ مِنْ غَيْرِ تَخَلُّلِ إِفَاقَةٍ فَقَالَ الْمَذْكُورَانِ تَجِبُ فِيهِ الْقَسَامَةُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ بَلْ يَجِبُ الْقِصَاصُ بِتِلْكَ الشَّهَادَةِ الرَّابِعَةُ أَنْ يُوجَدَ مَقْتُولٌ وَعِنْدَهُ أَوْ بِالْقُرْبِ مِنْهُ مَنْ بِيَدِهِ آلَةُ الْقَتْلِ وَعَلَيْهِ أَثَرُ الدَّمِ مَثَلًا وَلَا يُوجَدُ غَيْرُهُ فَتُشْرَعُ فِيهِ الْقَسَامَةُ عِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَيَلْتَحِقُ بِهِ أَنْ تَفْتَرِقَ جَمَاعَةٌ عَنْ قَتِيلٍ الْخَامِسَةُ أَنْ يَقْتَتِلَ طَائِفَتَانِ فَيُوجَدَ بَيْنَهُمَا قَتِيلٌ فَفِيهِ الْقَسَامَةُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ مَالِكٍ تَخْتَصُّ الْقَسَامَةُ بِالطَّائِفَةِ الَّتِي لَيْسَ هُوَ مِنْهَا إِلَّا إِنْ كَانَ

الصفحة 236