كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 12)

بْنِ إِلْيَاسَ بْنِ مُضَرَ وَهَذَا مِنْ قَوْلِ أَبِي قِلَابَةَ وَهِيَ قِصَّةٌ مَوْصُولَةٌ بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ إِلَى أَبِي قِلَابَةَ لَكِنَّهَا مُرْسَلَةٌ لِأَنَّ أَبَا قِلَابَةَ لَمْ يُدْرِكْ عُمَرَ قَوْلُهُ خَلَعُوا خَلِيعًا فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ حَلِيفًا بِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ وَفَاءٍ بَدَلَ الْعَيْنِ وَالْخَلِيعُ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ يُقَالُ تَخَالَعَ الْقَوْمُ إِذَا نَقَضُوا الْحِلْفَ فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ لَمْ يُطَالَبُوا بِجِنَايَتِهِ فَكَأَنَّهُمْ خَلَعُوا الْيَمِينَ الَّتِي كَانُوا لَبِسُوهَا مَعَهُ وَمِنْهُ سُمِّيَ الْأَمِيرُ إِذَا عُزِلَ خَلِيعًا وَمَخْلُوعًا وَقَالَ أَبُو مُوسَى فِي الْمُعِينِ خَلَعَهُ قَوْمُهُ أَيْ حَكَمُوا بِأَنَّهُ مُفْسِدٌ فَتَبَرَّءُوا مِنْهُ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَخْتَصُّ بِالْحَلِيفِ بَلْ كَانُوا رُبَّمَا خَلَعُوا الْوَاحِدَ مِنَ الْقَبِيلَةِ وَلَوْ كَانَ مِنْ صَمِيمِهَا إِذَا صَدَرَتْ مِنْهُ جِنَايَةٌ تَقْتَضِي ذَلِكَ وَهَذَا مِمَّا أَبْطَلَهُ الْإِسْلَامُ مِنْ حُكْمِ الْجَاهِلِيَّةِ وَمِنْ ثَمَّ قَيَّدَهُ فِي الْخَبَرِ بِقَوْلِهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِ الْخَلِيعِ الْمَذْكُورِ وَلَا عَلَى اسْمِ أَحَدٍ مِمَّنْ ذُكِرَ فِي الْقِصَّةِ قَوْلُهُ فَطَرَقَ أَهْلَ بَيْتٍ بِضَمِّ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ هَجَمَ عَلَيْهِمْ لَيْلًا فِي خُفْيَةٍ لِيَسْرِقَ مِنْهُمْ وَحَاصِلُ الْقِصَّةِ أَنَّ الْقَاتِلَ ادَّعَى أَنَّ الْمَقْتُولَ لِصٌّ وَأَنَّ قَوْمَهُ خَلَعُوهُ فَأَنْكَرُوا هُمْ ذَلِكَ وَحَلَفُوا كَاذِبِينَ فَأَهْلَكَهُمُ اللَّهُ بِحِنْثِ الْقَسَامَةِ وَخَلَّصَ الْمَظْلُومَ وَحْدَهُ قَوْلُهُ مَا خَلَعُوا فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ بْنِ حَرْبٍ مَا خَلَعُوهُ قَوْلُهُ حَتَّى إِذَا كَانُوا بِنَخْلَةَ بِلَفْظِ وَاحِدَةِ النَّخِيلِ وَهُوَ مَوْضِعٌ عَلَى لَيْلَةٍ مِنْ مَكَّةَ قَوْلُهُ فَانْهَجَمَ عَلَيْهِمُ الْغَارُ أَيْ سَقَطَ عَلَيْهِمْ بَغْتَةً قَوْلُهُ وَأُفْلِتَ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ الْفَاءِ أَيْ تَخَلَّصَ وَالْقَرِينَانِ هُمَا أَخُو الْمَقْتُولِ وَالَّذِي أَكْمَلَ الْخَمْسِينَ قَوْلُهُ وَاتَّبَعَهُمَا حَجَرٌ أَيْ بِتَشْدِيدِ التَّاءِ وَقَعَ عَلَيْهِمَا بَعْدَ أَنْ خَرَجَا مِنَ الْغَارِ قَوْلُهُ وَقَدْ كَانَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ هُوَ مَقُولُ أَبِي قِلَابَةَ بِالسَّنَدِ أَيْضًا وَهِيَ مَوْصُولَةٌ لِأَنَّ أَبَا قِلَابَةَ أَدْرَكَهَا قَوْلُهُ أَقَادَ رَجُلًا لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِهِ قَوْلُهُ ثُمَّ نَدِمَ بَعْدُ بِضَمِّ الدَّالِ قَوْلُهُ مَا صَنَعَ كَأَنَّهُ ضَمَّنَ نَدِمَ مَعْنَى كَرِهَ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ بْنِ حَرْبٍ عَلَى الَّذِي صَنَعَ قَوْلُهُ فَأَمَرَ بِالْخَمْسِينَ أَيِ الَّذِينَ حَلَفُوا وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ بْنِ حَرْبٍ الَّذِينَ أَقْسَمُوا قَوْلُهُ وَسَيَّرَهُمْ إِلَى الشَّامِ أَيْ نَفَاهُمْ وَفِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ بْنِ حَرْبٍ مِنَ الشَّامِ وَهَذِهِ أَوْلَى لِأَنَّ إِقَامَةَ عَبْدِ الْمَلِكِ كَانَتْ بِالشَّامِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ وَقَعَ لَمَّا كَانَ عَبْدُ الْمَلِكِ بِالْعِرَاقِ عِنْدَ مُحَارَبَتِهِ مُصْعَبَ بْنَ الزُّبَيْرِ وَيَكُونُوا مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ فَنَفَاهُمْ إِلَى الشَّام قَالَ الْمُهلب فِيمَا حَكَاهُ بن بَطَّالٍ الَّذِي اعْتَرَضَ بِهِ أَبُو قِلَابَةَ مِنْ قِصَّةِ الْعُرَنِيِّينَ لَا يُفِيدُ مُرَادَهُ مِنْ تَرْكِ الْقَسَامَةِ لِجَوَازِ قِيَامِ الْبَيِّنَةِ وَالدَّلَائِلِ الَّتِي لَا تُدْفَعُ عَلَى تَحْقِيقِ الْجِنَايَةِ فِي حَقِّ الْعُرَنِيِّينَ فَلَيْسَ قِصَّتُهُمْ مِنْ طَرِيقِ الْقَسَامَةِ فِي شَيْءٍ لِأَنَّهَا إِنَّمَا تَكُونُ فِي الِاخْتِفَاءِ بِالْقَتْلِ حَيْثُ لَا بَيِّنَةَ وَلَا دَلِيلَ وَأَمَّا الْعُرَنِيُّونَ فَإِنَّهُمْ كَشَفُوا وُجُوهَهُمْ لِقَطْعِ السَّبِيلِ وَالْخُرُوجِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَكَانَ أَمْرُهُمْ غَيْرَ أَمْرِ مَنِ ادَّعَى الْقَتْلَ حَيْثُ لَا بَيِّنَةَ هُنَاكَ قَالَ وَمَا ذَكَرَهُ هُنَا مِنِ انْهِدَامِ الْغَارِ عَلَيْهِمْ يُعَارِضُهُ مَا تَقَدَّمَ مِنَ السُّنَّةِ قَالَ وَلَيْسَ رَأْيُ أَبِي قِلَابَةَ حُجَّةً وَلَا تُرَدُّ بِهِ السُّنَنُ وَكَذَا مَحْوُ عَبْدِ الْمَلِكِ أَسْمَاءَ الَّذِينَ أَقْسَمُوا مِنَ الدِّيوَانِ قُلْتُ وَالَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ مُرَادَ أَبِي قِلَابَةَ بِقِصَّةِ الْعُرَنِيِّينَ خِلَافُ مَا فَهِمَهُ عَنْهُ الْمُهَلَّبُ أَنَّ قِصَّتَهُمْ كَانَ يُمْكِنُ فِيهَا الْقَسَامَةُ فَلَمْ يَفْعَلْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّمَا أَرَادَ الِاسْتِدْلَالَ بِهَا لِمَا ادَّعَاهُ مِنَ الْحَصْرِ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَقْتُلْ أَحَدًا إِلَّا فِي إِحْدَى ثَلَاثٍ فَعُورِضَ بِقِصَّةِ الْعُرَنِيِّينَ وَحَاوَلَ الْمُعْتَرِضُ إِثْبَاتَ قِسْمٍ رَابِعٍ فَرَدَّ عَلَيْهِ أَبُو قِلَابَةَ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّهُمْ إِنَّمَا اسْتَوْجَبُوا الْقَتْلَ بِقَتْلِهِمُ الرَّاعِيَ وَبِارْتِدَادِهِمْ عَنِ الدِّينِ وَهَذَا بَيِّنٌ لَا خَفَاءَ فِيهِ وَإِنَّمَا اسْتُدِلَّ عَلَى تَرْكِ الْقَوَدِ بِالْقَسَامَةِ بِقِصَّةِ الْقَتِيلِ عِنْدَ الْيَهُودِ فَلَيْسَ فِيهَا لِلْقَوَدِ بِالْقَسَامَةِ ذِكْرٌ بَلْ وَلَا فِي أَصْلِ الْقِصَّةِ الَّتِي هِيَ عُمْدَةُ الْبَابِ تَصْرِيحٌ بِالْقَوَدِ كَمَا سَأُبَيِّنُهُ ثُمَّ رَأَيْتُ فِي آخر الْحَاشِيَة لِابْنِ الْمُنِير نَحْو مَا أُجِيب بِهِ وَحَاصِلُهُ تَوَهَّمَ الْمُهَلَّبُ أَنَّ أَبَا قِلَابَةَ عَارَضَ حَدِيثَ الْقَسَامَةِ بِحَدِيثِ الْعُرَنِيِّينَ فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ فَوَهِمَ وَإِنَّمَا اعْتَرَضَ أَبُو قِلَابَةَ عَلَى الْقَسَامَةِ بِالْحَدِيثِ الدَّالِّ عَلَى حَصْرِ

الصفحة 242