كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 12)

الْقَتْلِ فِي ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ فَإِنَّ الَّذِي عَارَضَهُ ظَنَّ أَنَّ فِي قِصَّةِ الْعُرَنِيِّينَ حُجَّةً فِي جَوَازِ قَتْلِ مَنْ لَمْ يُذْكَرْ فِي الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ كَأَنْ يَتَمَسَّكَ الْحَجَّاجُ فِي قَتْلِ مَنْ لَمْ يَثْبُتْ عَلَيْهِ وَاحِدَةٌ مِنَ الثَّلَاثَةِ وَكَأَنَّ عَنْبَسَةَ تَلَقَّفَ ذَلِكَ عَنْهُ فَإِنَّهُ كَانَ صَدِيقَهُ فَبَيَّنَ أَبُو قِلَابَةَ أَنَّهُ ثَبَتَ عَلَيْهِمْ قَتْلُ الرَّاعِي بِغَيْرِ حَقٍّ وَالِارْتِدَادُ عَنِ الْإِسْلَامِ وَهُوَ جَوَابٌ ظَاهِرٌ فَلَمْ يُورِدْ أَبُو قِلَابَةَ قِصَّةَ الْعُرَنِيِّينَ مُسْتَدِلًّا بِهَا عَلَى تَرْكِ الْقَسَامَةِ بَلْ رَدَّ عَلَى مَنْ تَمَسَّكَ بِهَا لِلْقَوَدِ بِالْقَسَامَةِ وَأَمَّا قِصَّةُ الْغَارِ فَأَشَارَ بِهَا إِلَى أَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ بِهَلَاكِ مَنْ حَلَفَ فِي الْقَسَامَةِ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ كَمَا وَقَعَ فِي حَدِيثِ بن عَبَّاسٍ فِي قِصَّةِ الْقَتِيلِ الَّذِي وَقَعَتِ الْقَسَامَةُ بِسَبَبِهِ قَبْلَ الْبَعْثَةِ وَقَدْ مَضَى فِي كِتَابِ الْمَبْعَثِ وَفِيهِ فَمَا حَالَ الْحَوْلُ وَمِنَ الثَّمَانِيَةِ وَالْأَرْبَعِينَ الَّذِينَ حَلَفُوا عَيْنٌ تَطْرِفُ وَجَاءَ عَنِ بن عَبَّاسٍ حَدِيثٌ آخَرُ فِي ذَلِكَ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي الْجَهْمِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْهُ قَالَ كَانَتِ الْقَسَامَةُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ حِجَازًا بَيْنَ النَّاسِ فَكَانَ مَنْ حَلَفَ عَلَى إِثْمٍ أُرِيَ عُقُوبَةً مِنَ اللَّهِ يُنَكَّلُ بِهَا عَنِ الْجَرَاءَةِ عَلَى الْحَرَامِ فَكَانُوا يَتَوَرَّعُونَ عَنْ أَيْمَانِ الصَّبْرِ وَيَهَابُونَهَا فَلَمَّا بَعَثَ اللَّهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ الْمُسْلِمُونَ لَهَا أَهْيَبَ ثُمَّ إِنَّهُ لَيْسَ فِي سِيَاقِ قِصَّةِ الْهُذَلِيِّينَ تَصْرِيحٌ بِمَا صَنَعَ عُمَرُ هَلْ أَقَادَ بِالْقَسَامَةِ أَوْ حَكَمَ بِالدِّيَةِ فَقَوْلُ الْمُهَلَّبِ مَا تَقَدَّمَ مِنَ السُّنَّةِ إِنْ كَانَ أَشَارَ بِهِ إِلَى صَنِيعِ عُمَرَ فَلَيْسَ بِوَاضِحٍ وَأَمَّا قَوْلُهُ إِنَّ رَأْيَ أَبِي قِلَابَةَ وَمَحْوَ عَبْدِ الْمَلِكِ مِنَ الدِّيوَانِ لَا تُرَدُّ بِهِ السُّنَنُ فَمَقْبُولٌ لَكِنْ مَا هِيَ السُّنَّةُ الَّتِي وَرَدَتْ بِذَلِكَ نَعَمْ لَمْ يَظْهَرْ لِي وَجْهُ اسْتِدْلَالِ أَبِي قِلَابَةَ بِأَنَّ الْقَتْلَ لَا يُشْرَعُ إِلَّا فِي الثَّلَاثَةِ لِرَدِّ الْقَوَدِ بِالْقَسَامَةِ مَعَ أَنَّ الْقَوَدَ قَتْلُ نَفْسٍ بِنَفْسٍ وَهُوَ أَحَدُ الثَّلَاثَةِ وَإِنَّمَا وَقَعَ النِّزَاعُ فِي الطَّرِيق إِلَى ثُبُوت ذَلِك

(قَوْلُهُ بَابُ مَنِ اطَّلَعَ فِي بَيْتِ قَوْمٍ فَفَقَئُوا عَيْنَيْهِ فَلَا دِيَةَ لَهُ)
كَذَا جَزَمَ بِنَفْيِ الدِّيَةِ وَلَيْسَ فِي الْخَبَرِ الَّذِي سَاقَهُ تَصْرِيحٌ بِذَلِكَ لَكِنَّهُ أَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى مَا وَرَدَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ عَلَى عَادَتِهِ

[6900] قَوْلُهُ أَنَّ رَجُلًا اطَّلَعَ أَيْ نَظَرَ مِنْ عُلُوٍّ وَهَذَا الرَّجُلُ لَمْ أَعْرِفِ اسْمَهُ صَرِيحًا لَكِنْ نقل بن بَشْكُوَالَ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ بْنِ الْغَيْثِ أَنَّهُ الْحَكَمُ بْنُ أَبِي الْعَاصِ بْنِ أُمَيَّةَ وَالِدُ مَرْوَانَ وَلَمْ يَذْكُرْ مُسْتَنَدًا لِذَلِكَ وَوَجَدْتُ فِي كِتَابِ مَكَّةَ لِلْفَاكِهِيِّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي سُفْيَانَ عَن

الصفحة 243