كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 12)

(قَوْلُهُ بَابُ إِثْمِ مَنْ أَشْرَكَ بِاللَّهِ تَعَالَى وَعُقُوبَتِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ)
قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجل إِن الشّرك لظلم عَظِيم وَلَئِن أشركت ليحبطن عَمَلك ولتكونن من الخاسرين فِي رِوَايَةِ الْقَابِسِيِّ بَعْدَ قَوْلِهِ وَقِتَالِهِمْ وَإِثْمِ مَنْ أَشْرَكَ إِلَخْ وَحَذَفَ لَفْظَ بَابٍ وَالْوَاوُ فِي قَوْلِهِ وَلَئِنْ أَشْرَكْتَ لِعَطْفِ آيَةٍ عَلَى آيَةٍ وَالتَّقْدِيرُ وَقَالَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لِأَنَّهُ فِي التِّلَاوَة بِلَا وَاو قَالَ بن بَطَّالٍ الْآيَةُ الْأُولَى دَالَّةٌ عَلَى أَنَّهُ لَا إِثْمَ أَعْظَمَ مِنَ الشِّرْكِ وَأَصْلُ الظُّلْمِ وَضْعُ الشَّيْءِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ فَالْمُشْرِكُ أَصْلٌ مِنْ وَضْعِ الشَّيْءِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ لِأَنَّهُ جُعِلَ لِمَنْ أَخْرَجَهُ مِنَ الْعَدَمِ إِلَى الْوُجُودِ مُسَاوِيًا فَنَسَبَ النِّعْمَةَ إِلَى غَيْرِ الْمُنْعِمِ بِهَا وَالْآيَةُ الثَّانِيَةُ خُوطِبَ بِهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُرَادُ غَيْرُهُ وَالْإِحْبَاطُ الْمَذْكُورُ مُقَيَّدٌ بِالْمَوْتِ على الشّرك لقَوْله تَعَالَى فَبعث وَهُوَ كَافِر فَأُولَئِك حبطت أَعْمَالهم وَذَكَرَ فِيهِ أَرْبَعَةَ أَحَادِيثَ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ حَدِيثُ بن مَسْعُودٍ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بظُلْم وَقَدْ مَضَى شَرْحُهُ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ فِي أَوَائِلِ الْكِتَابِ وَأَشَرْتُ هُنَاكَ إِلَى مَا وَقَعَ فِي أَحَادِيثِ الْأَنْبِيَاءِ فِي قِصَّةِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ طَرِيقِ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ عَنِ الْأَعْمَشِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ وَالْمَتْنِ وَفِي آخِرِهِ

[6918] لَيْسَ كَمَا يَقُولُونَ لم يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ بِشِرْكٍ الْحَدِيثَ وَقَدْ أَرْسَلَ التَّفْسِير الْمَذْكُور بعض رُوَاته فَعِنْدَ بن مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقِ عِيسَى بْنِ يُونُسَ عَنِ الْأَعْمَشِ مُخْتَصَرًا وَلَفْظُهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يلبسوا إِيمَانهم بظُلْم قَالَ بِشِرْكٍ وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيِّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنِ الْأَعْمَشِ مِثْلَهُ سَوَاءً وَقَدْ أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ فِي قَوْلِهِ وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ قَالَ لَمْ يَخْلِطُوهُ بِشِرْكٍ هَكَذَا أَوْرَدَهُ مَوْقُوفًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَمِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عَلْقَمَةَ مِثْلَهُ وَأَخْرَجَ مِنْ طَرِيقِ الْأَسْوَدِ بْنِ هِلَالٍ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ مِثْلَهُ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ وَعَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ فَفَزِعَ فَسَأَلَ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ فَقَالَ إِنَّمَا هُوَ وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِشِرْكٍ وَمِنْ طَرِيقِ زَيْدِ بْنِ صُوحَانَ أَنَّهُ قَالَ لِسَلْمَانَ آيَةٌ قَدْ بَلَغَتْ مِنِّي كُلَّ مَبْلَغٍ فَذَكَرَهَا فَقَالَ سَلْمَانُ هُوَ الشِّرْكُ فَسُرَّ زَيْدٌ بِذَلِكَ وَأَوْرَدَ مِنْ طُرُقِ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَمِنَ التَّابِعِينَ مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ أَوْرَدَ عَنْ عِكْرِمَةَ قَوْلًا آخَرَ أَنَّهَا خَاصَّةٌ بِمَنْ لَمْ يُهَاجِرْ وَمِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ هَذِهِ الْآيَةُ لِإِبْرَاهِيمَ خَاصَّةً لَيْسَتْ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ وَسَنَدُهُمَا ضَعِيفٌ وَصَوَّبَ الطَّبَرِيُّ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ وَأَنَّهَا عَلَى الْعُمُومِ لِجَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ الطِّيبِيُّ رَدًّا عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ لَفْظَ اللَّبْسِ يَأْبَى تَفْسِيرَ الظُّلْمِ هُنَا بِالشِّرْكِ مُعْتَلًّا بِأَنَّ اللَّبْسَ الْخَلْطُ وَلَا يَصِحُّ هُنَا لِأَنَّ الْكُفْرَ وَالْإِيمَانَ لَا يَجْتَمِعَانِ فَأَجَابَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالَّذِينَ آمَنُوا أَعَمُّ مِنَ الْمُؤْمِنِ الْخَالِصِ وَغَيْرِهِ وَاحْتَجَّ بِأَنَّ اسْمَ الْإِشَارَةِ الْوَاقِعَ خَبَرًا لِلْمَوْصُولِ مَعَ صِلَتِهِ يَقْتَضِي أَنَّ مَا بَعْدَهُ ثَابِتٌ لِمَنْ قَبْلَهُ لِاكْتِسَابِهِ مَا ذُكِرَ مِنَ الصِّفَةِ وَلَا رَيْبَ أَنَّ الْأَمْنَ الْمَذْكُورَ ثَانِيًا هُوَ الْمَذْكُورُ أَوَّلًا فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الظُّلْمُ عَيْنَ الشِّرْكِ لِأَنَّهُ تَقَدَّمَ قَوْلُهُ وَكَيف أَخَاف مَا أشركتم وَلَا تخافون إِلَى قَوْله أَحَق بالأمن قَالَ وَأَمَّا مَعْنَى اللَّبْسِ فَلَبْسُ الْإِيمَانِ بِالظُّلْمِ أَنْ يُصَدِّقَ بِوُجُودِ اللَّهِ وَيَخْلِطَ بِهِ عِبَادَةَ غَيْرِهِ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وهم مشركون وَعُرِفَ بِذَلِكَ مُنَاسَبَةُ ذِكْرِهَا فِي أَبْوَابِ الْمُرْتَدِّ وَكَذَلِكَ الْآيَةُ الَّتِي صَدَّرَ بِهَا وَأَمَّا الْآيَةُ الْأُخْرَى

الصفحة 265