كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 12)
الْأَنْصَارِ أَسْلَمَ ثُمَّ نَدِمَ وَأَرْسَلَ إِلَى قَوْمِهِ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَة فَنزلت كَيفَ يهدى الله قوما إِلَى قَوْله الا الَّذين تَابُوا فَأَسْلَمَ قَوْلُهُ وَقَالَ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يردوكم بعد إيمَانكُمْ كَافِرين قَالَ عِكْرِمَةُ نَزَلَتْ فِي شَاسِ بْنِ قَيْسٍ الْيَهُودِيِّ دَسَّ عَلَى الْأَنْصَارِ مَنْ ذَكَّرَهُمْ بِالْحُرُوبِ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَهُمْ فَتَمَادَوْا يَقْتَتِلُونَ فَأَتَاهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَّرَهُمْ فَعَرَفُوا أَنَّهَا مِنَ الشَّيْطَانِ فَعَانَقَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا ثُمَّ انْصَرَفُوا سَامِعِينَ مُطِيعِينَ فَنَزَلَتْ أَخْرَجَهُ إِسْحَاقُ فِي تَفْسِيرِهِ مطولا وَأخرجه الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث بن عَبَّاسٍ مَوْصُولًا وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ الْإِشَارَةُ إِلَى التَّحْذِيرِ عَنْ مُصَادَقَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ إِذْ لَا يُؤْمَنُونَ أَنْ يَفْتِنُوا مَنْ صَادَقَهُمْ عَنْ دِينِهِ قَوْلُهُ وَقَالَ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا إِلَى سَبِيلًا كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ وَلِلنَّسَفِيِّ ثُمَّ كفرُوا ثمَّ آمنُوا ثمَّ ازدادوا كفرا الْآيَةَ وَسَاقَهَا كُلَّهَا فِي رِوَايَةِ كَرِيمَةَ وَقَدِ اسْتَدَلَّ بِهَا مَنْ قَالَ لَا تُقْبَلُ تَوْبَةُ الزِّنْدِيقِ كَمَا سَيَأْتِي تَقْرِيرُهُ قَوْلُهُ مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبهُمْ وَيُحِبُّونَهُ وَسَاقَ فِي رِوَايَةِ كَرِيمَةَ إِلَى الْكَافِرِينَ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ مَنْ يَرْتَدِدْ بِدَالَيْنِ وَهِي قِرَاءَة بن عَامِرٍ وَنَافِعٍ وَلِلْبَاقِينَ مِنَ الْقُرَّاءِ وَرُوَاةِ الصَّحِيحِ مَنْ يَرْتَدَّ بِتَشْدِيدِ الدَّالِ وَيُقَالُ إِنَّ الْإِدْغَامَ لُغَةُ تَمِيمٍ وَالْإِظْهَارَ لُغَةُ الْحِجَازِ وَلِهَذَا قِيلَ إِنَّهُ وُجِدَ فِي مُصْحَفِ عُثْمَانَ بِدَالَيْنِ وَقِيلَ بَلْ وَافَقَ كُلُّ قَارِئٍ مُصْحَفَ بَلَدِهِ فَعَلَى هَذَا فَهِيَ فِي مُصْحَفَيِ الْمَدِينَةِ وَالشَّامِ بِدَالَيْنِ وَفِي الْبَقِيَّةِ بِدَالٍ وَاحِدَةٍ قَوْلُهُ وَلَكِنْ مَنْ شرح بالْكفْر صَدرا إِلَى وَأُولَئِكَ هم الغافلون كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ وَسَاقَ فِي رِوَايَةِ كَرِيمَةَ الْآيَاتِ كُلَّهَا وَهِيَ حُجَّةٌ لِعَدَمِ الْمُؤَاخَذَةِ بِمَا وَقَعَ حَالَةَ الْإِكْرَاهِ كَمَا سَيَأْتِي تَقْرِيرُهُ بَعْدَ هَذَا قَوْلُهُ لَا جَرَمَ يَقُولُ حَقًّا أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَة هم الخاسرون إِلَى لَغَفُورٌ رَحِيمٌ وَالْمُرَادُ أَنَّ مَعْنَى لَا جَرَمَ حَقًّا وَهُوَ كَلَامُ أَبِي عُبَيْدَةَ وَحُذِفَ مِنْ رِوَايَةِ النَّسَفِيِّ فَفِيهَا بَعْدَ قَوْلِهِ صَدْرًا الْآيَتَيْنِ إِلَى قَوْلِهِ غَفُورٌ رَحِيمٌ وَفِي الْآيَةِ وَعِيدٌ شَدِيدٌ لِمَنِ ارْتَدَّ مُخْتَارًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَلَكِن من شرح بالْكفْر صَدرا إِلَى آخِرِهِ قَوْلُهُ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يردوكم عَن دينكُمْ إِن اسْتَطَاعُوا إِلَى قَوْلِهِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالدُونَ كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ وَسَاقَ فِي رِوَايَةِ كَرِيمَةَ أَيْضًا الْآيَاتِ كُلَّهَا وَالْغَرَضَ مِنْهَا قَوْلُهُ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِر إِلَى آخِرِهَا فَإِنَّهُ يُقَيِّدُ مُطْلَقَ مَا فِي الْآيَة السَّابِقَة من يرتدد مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبهُمْ إِلَى آخرهَا قَالَ بن بَطَّالٍ اخْتُلِفَ فِي اسْتِتَابَةِ الْمُرْتَدِّ فَقِيلَ يُسْتَتَابُ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَقِيلَ يَجِبُ قَتْلُهُ فِي الْحَالِ جَاءَ ذَلِكَ عَنِ الْحَسَنِ وَطَاوُسٍ وَبِهِ قَالَ أَهْلُ الظَّاهِرِ قلت وَنَقله بن الْمُنْذِرِ عَنْ مُعَاذٍ وَعُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ وَعَلَيْهِ يَدُلُّ تَصَرُّفُ الْبُخَارِيِّ فَإِنَّهُ اسْتَظْهَرَ بِالْآيَاتِ الَّتِي لَا ذِكْرَ فِيهَا لِلِاسْتِتَابَةِ وَالَّتِي فِيهَا أَنَّ التَّوْبَةَ لَا تَنْفَعُ وَبِعُمُومِ قَوْلِهِ مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ وَبِقِصَّةِ مُعَاذٍ الَّتِي بَعْدَهَا وَلَمْ يَذْكُرْ غَيْرَ ذَلِكَ قَالَ الطَّحَاوِيُّ ذَهَبَ هَؤُلَاءِ إِلَى أَنَّ حُكْمَ مَنِ ارْتَدَّ عَنِ الْإِسْلَامِ حُكْمُ الْحَرْبِيِّ الَّذِي بَلَغَتْهُ الدَّعْوَةُ فَإِنَّهُ يُقَاتَلُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُدْعَى قَالُوا وَإِنَّمَا تُشْرَعُ الِاسْتِتَابَةُ لِمَنْ خَرَجَ عَنِ الْإِسْلَامِ لَا عَنْ بَصِيرَةٍ فَأَمَّا مَنْ خَرَجَ عَنْ بَصِيرَةٍ فَلَا ثُمَّ نَقَلَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ مُوَافَقَتَهُمْ لَكِنْ قَالَ إِنْ جَاءَ مُبَادِرًا بِالتَّوْبَةِ خَلَّيْتَ سَبِيلَهُ ووكلت أمره إِلَى الله تَعَالَى وَعَن بن عَبَّاسٍ وَعَطَاءٍ إِنْ كَانَ أَصْلُهُ مُسْلِمًا لَمْ يستتب وَإِلَّا استتيب وَاسْتدلَّ بن الْقَصَّارِ لِقَوْلِ الْجُمْهُورِ بِالْإِجْمَاعِ يَعْنِي السُّكُوتِيَّ لِأَنَّ عُمَرَ كَتَبَ فِي أَمْرِ الْمُرْتَدِّ هَلَّا حَبَسْتُمُوهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَأَطْعَمْتُمُوهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ رَغِيفًا لَعَلَّهُ يَتُوبُ فَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَيْهِ قَالَ وَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ كَأَنَّهُمْ فَهِمُوا مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ أَيْ إِنْ لَمْ يَرْجِعْ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سبيلهم وَاخْتلف الْقَائِلُونَ
الصفحة 269