كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 12)
الصِّدِّيقِ حُجَّةٌ لِمَا ذُكِرَ وَإِنَّمَا فِيهِ قِتَالُ مَنْ مَنَعَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ تَمَسَّكُوا بِأَصْلِ الْإِسْلَامِ وَمَنَعُوا الزَّكَاةَ بِالشُّبْهَةِ الَّتِي ذَكَرُوهَا لَمْ يُحْكَمْ عَلَيْهِمْ بِالْكُفْرِ قَبْلَ إِقَامَةِ الْحُجَّةِ وَقَدِ اخْتَلَفَ الصَّحَابَةُ فِيهِمْ بَعْدَ الْغَلَبَةِ عَلَيْهِمْ هَلْ تُغْنَمُ أَمْوَالُهُمْ وَتُسْبَى ذَرَارِيُّهُمْ كَالْكُفَّارِ أَوْ لَا كَالْبُغَاةِ فَرَأَى أَبُو بَكْرٍ الْأَوَّلَ وَعَمِلَ بِهِ وَنَاظَرَهُ عُمَرُ فِي ذَلِكَ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي كِتَابِ الْأَحْكَامِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَذَهَبَ إِلَى الثَّانِي وَوَافَقَهُ غَيْرُهُ فِي خِلَافَتِهِ عَلَى ذَلِكَ وَاسْتَقَرَّ الْإِجْمَاعُ عَلَيْهِ فِي حَقِّ مَنْ جَحَدَ شَيْئًا مِنَ الْفَرَائِضِ بِشُبْهَةٍ فَيُطَالَبُ بِالرُّجُوعِ فَإِنْ نَصَبَ الْقِتَالَ قُوتِلَ وَأُقِيمَتْ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ فَإِنْ رَجَعَ وَإِلَّا عُومِلَ مُعَامَلَةَ الْكَافِرِ حِينَئِذٍ وَيُقَالُ إِنَّ أَصْبَغَ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ اسْتَقَرَّ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ فَعُدَّ مِنْ نُدْرَةِ الْمُخَالِفِ وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ يُسْتَفَادُ مِنْ هَذِهِ الْقِصَّةِ أَنَّ الْحَاكِمَ إِذَا أَدَّاهُ اجْتِهَادُهُ فِي أَمْرٍ لَا نَصَّ فِيهِ إِلَى شَيْءٍ تَجِبُ طَاعَتُهُ فِيهِ وَلَوِ اعْتَقَدَ بَعْضُ الْمُجْتَهِدِينَ خِلَافَهُ فَإِنْ صَارَ ذَلِكَ الْمُجْتَهِدُ الْمُعْتَقِدُ خِلَافَهُ حَاكِمًا وَجَبَ عَلَيْهِ الْعَمَلُ بِمَا أَدَّاهُ إِلَيْهِ اجْتِهَادُهُ وَتَسُوغُ لَهُ مُخَالَفَةُ الَّذِي قَبْلَهُ فِي ذَلِكَ لِأَنَّ عُمَرَ أَطَاعَ أَبَا بَكْرٍ فِيمَا رَأَى مِنْ حَقِّ مَانِعِي الزَّكَاةِ مَعَ اعْتِقَادِهِ خِلَافَهُ ثُمَّ عَمِلَ فِي خِلَافَتِهِ بِمَا أَدَّاهُ إِلَيْهِ اجْتِهَادُهُ وَوَافَقَهُ أَهْلُ عَصْرِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ وَهَذَا مِمَّا يُنَبه عَلَيْهِ فِي الاحجاج بِالْإِجْمَاعِ السُّكُوتِيِّ فَيُشْتَرَطُ فِي الِاحْتِجَاجِ بِهِ انْتِفَاءُ مَوَانِعِ الْإِنْكَارِ وَهَذَا مِنْهَا وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي الْحَدِيثِ إِنَّ مَنْ أَظْهَرَ الْإِسْلَامَ أُجْرِيَتْ عَلَيْهِ أَحْكَامُهُ الظَّاهِرَةُ وَلَوْ أَسَرَّ الْكُفْرَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَمَحَلُّ الْخِلَافِ إِنَّمَا هُوَ فِيمَنِ اطُّلِعَ عَلَى مُعْتَقَدِهِ الْفَاسِدِ فَأَظْهَرَ الرُّجُوعَ هَلْ يُقْبَلُ مِنْهُ أَوْ لَا وَأَمَّا مَنْ جُهِلَ أَمْرُهُ فَلَا خِلَافَ فِي إِجْرَاءِ الْأَحْكَامِ الظَّاهِرَةِ عَلَيْهِ
(قَوْلُهُ بَابُ إِذَا عَرَّضَ الذِّمِّيُّ أَوْ غَيْرُهُ)
أَيِ الْمُعَاهَدُ وَمَنْ يُظْهِرُ الْإِسْلَامَ قَوْلُهُ بِسَبِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْ
الصفحة 280