كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 12)
يَأْتُونَ بِهِ عَلَى أَحْسَنِ أَحْوَالِهِ وَقِيلَ الْمُرَادُ أَنَّهُمْ يُوَاظِبُونَ عَلَى تِلَاوَتِهِ فَلَا تَزَالُ أَلْسِنَتُهُمْ رَطْبَةً بِهِ وَقِيلَ هُوَ كِنَايَةٌ عَنْ حُسْنِ الصَّوْتِ بِهِ حَكَاهَا الْقُرْطُبِيُّ وَيُرَجِّحُ الْأَوَّلَ مَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْوَدَّاكِ عَنْ أَبِي سعيد عِنْد مُسَدّد يقرؤون الْقُرْآنَ كَأَحْسَنِ مَا يَقْرَؤُهُ النَّاسُ وَيُؤَيِّدُ الْآخَرَ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ أَبِيهِ قَوْمٌ أَشِدَّاءُ أَحِدَّاءُ ذَلِقَةٌ أَلْسِنَتُهُمْ بِالْقُرْآنِ أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ وَزَادَ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي نُعْمٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ يَقْتُلُونَ أَهْلَ الْإِسْلَامِ وَيَدَعُونَ أَهْلَ الْأَوْثَانِ يَمْرُقُونَ وَأَرْجَحُهَا الثَّالِثُ قَوْلُهُ يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ يَأْتِي تَفْسِيرُهُ فِي الْحَدِيثِ الثَّانِي وَفِي رِوَايَةِ الْأَوْزَاعِيِّ كَمُرُوقِ السَّهْمِ قَوْلُهُ مِنَ الرَّمِيَّةِ فِي رِوَايَةِ مَعْبَدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْآتِيَةِ فِي آخِرِ كِتَابِ التَّوْحِيدِ لَا يَعُودُونَ فِيهِ حَتَّى يَعُودَ السَّهْمُ إِلَى فُوقِهِ وَالرَّمِيَّةُ فَعِيلَةٌ مِنَ الرَّمْيِ وَالْمُرَادُ الْغَزَالَةُ الْمَرْمِيَّةُ مَثَلًا وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو مِنْ رِوَايَةِ مِقْسَمٍ عَنْهُ فَإِنَّهُ سَيَكُونُ لِهَذَا شِيعَةٌ يَتَعَمَّقُونَ فِي الدِّينِ يَمْرُقُونَ مِنْهُ الْحَدِيثَ أَيْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْإِسْلَامِ بَغْتَةً كَخُرُوجِ السَّهْمِ إِذَا رَمَاهُ رَامٍ قَوِيُّ السَّاعِدِ فَأَصَابَ مَا رَمَاهُ فَنَفَذَ مِنْهُ بِسُرْعَةٍ بِحَيْثُ لَا يَعْلَقُ بِالسَّهْمِ وَلَا بِشَيْءٍ مِنْهُ مِنَ الْمَرْمِيِّ شَيْءٌ فَإِذَا الْتَمَسَ الرَّامِي سَهْمَهُ وَجَدَهُ وَلَمْ يَجِدِ الَّذِي رَمَاهُ فَيَنْظُرُ فِي السَّهْمَ لِيَعْرِفَ هَلْ أَصَابَ أَوْ أَخْطَأَ فَإِذَا لَمْ يَرَهُ عَلِقَ فِيهِ شَيْءٌ مِنَ الدَّمِ وَلَا غَيْرُهُ ظَنَّ أَنَّهُ لَمْ يُصِبْهُ وَالْفَرْضُ أَنَّهُ أَصَابَهُ وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِقَوْلِهِ سَبَقَ الْفَرْثَ وَالدَّمَ أَيْ جَاوَزَهُمَا وَلَمْ يَتَعَلَّقْ فِيهِ مِنْهُمَا شَيْءٌ بَلْ خَرَجَا بَعْدَهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُ الْقُذَذِ فِي عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ فَضَرَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُمْ مَثَلًا الرَّجُلُ يَرْمِي الرَّمِيَّةَ الْحَدِيثَ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ النَّاجِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عِنْدَ الطَّبَرِيِّ مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ رَجُلٍ رَمَى رَمِيَّةً فَتَوَخَّى السَّهْمَ حَيْثُ وَقَعَ فَأَخَذَهُ فَنَظَرَ إِلَى فُوقِهِ فَلَمْ يَرَ بِهِ دَسَمًا وَلَا دَمًا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ شَيْءٌ مِنَ الدَّسَمِ وَالدَّمِ كَذَلِكَ هَؤُلَاءِ لَمْ يَتَعَلَّقُوا بِشَيْءٍ مِنَ الْإِسْلَامِ وَعِنْدَهُ فِي رِوَايَةِ عَاصِمِ بْنِ شَمْخٍ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْمِيمِ بَعْدَهَا مُعْجَمَةٌ بَعْدَ قَوْلِهِ مِنَ الرَّمِيَّةِ يَذْهَبُ السَّهْمُ فَيَنْظُرُ فِي النَّصْلِ فَلَا يَرَى شَيْئًا مِنَ الْفَرْثِ وَالدَّمِ الْحَدِيثَ وَفِيهِ يَتْرُكُونَ الْإِسْلَامَ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَجَعَلَ يَدَيْهِ وَرَاءَ ظَهْرِهِ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي إِسْحَاقَ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ لَا يَتَعَلَّقُونَ مِنَ الدِّينِ بِشَيْءٍ كَمَا لَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ السَّهْمِ أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ وَفِي حَدِيثِ أَنَسٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عِنْدَ أَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُدَ وَالطَّبَرِيِّ لَا يَرْجِعُونَ إِلَى الْإِسْلَامِ حَتَّى يرْتَد السهْم إِلَى فَوْقه وَجَاء عَن بن عَبَّاس عِنْد الطَّبَرِيّ وأوله فِي بن مَاجَهْ بِسِيَاقٍ أَوْضَحَ مِنْ هَذَا وَلَفْظُهُ سَيَخْرُجُ قَوْمٌ مِنَ الْإِسْلَامِ خُرُوجَ السَّهْمِ مِنَ الرَّمِيَّةِ عَرَضَتْ لِلرِّجَالِ فَرَمَوْهَا فَانْمَرَقَ سَهْمُ أَحَدِهِمْ مِنْهَا فَخَرَجَ فَأَتَاهُ فَنَظَرَ إِلَيْهِ فَإِذَا هُوَ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِنَصْلِهِ مِنَ الدَّمِ شَيْءٌ ثُمَّ نَظَرَ إِلَى الْقُذَذِ فَلَمْ يَرَهُ تَعَلَّقَ مِنَ الدَّمِ بِشَيْءٍ فَقَالَ إِنْ كُنْتَ أَصَبْتَ فَإِنَّ بِالرِّيشِ وَالْفُوقِ شَيْئًا مِنَ الدَّمِ فَنَظَرَ فَلَمْ يَرَ شَيْئًا تَعَلَّقَ بِالرِّيشِ وَالْفُوقِ قَالَ كَذَلِكَ يَخْرُجُونَ من الْإِسْلَام وَفِي رِوَايَة بِلَال بن بقطر عَنْ أَبِي بَكْرَةَ يَأْتِيهِمُ الشَّيْطَانُ مِنْ قِبَلِ دينهم وللحميدي وبن أَبِي عُمَرَ فِي مُسْنَدَيْهِمَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرٍ مَوْلَى الْأَنْصَارِ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّ نَاسًا يَخْرُجُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَخْرُجُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ ثُمَّ لَا يَعُودُونَ فِيهِ أَبَدًا قَوْلُهُ آيَتهم أَي علامتهم وَوَقع فِي رِوَايَة بن أَبِي مَرْيَمَ عَنْ عَلِيٍّ عِنْدَ الطَّبَرِيِّ عَلَامَتُهُمْ قَوْلُهُ رَجُلٌ إِحْدَى يَدَيْهِ أَوْ قَالَ ثَدْيَيْهِ هَكَذَا لِلْأَكْثَرِ بِالتَّثْنِيَةِ فِيهِمَا مَعَ الشَّكِّ هَلْ هِيَ تَثْنِيَةُ يَدٍ أَوْ ثَدْيٍ بِالْمُثَلَّثَةِ وَفِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي هُنَا بِالْمُثَلَّثَةِ فِيهِمَا فَالشَّكُّ عِنْدَهُ هَلْ هُوَ الثَّدْيُ بِالْإِفْرَادِ أَوْ بِالتَّثْنِيَةِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْأَوْزَاعِيِّ إِحْدَى يَدَيْهِ تَثْنِيَةُ يَدٍ وَلَمْ يَشُكَّ وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ فَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ وَيُونُسَ إِحْدَى عَضُدَيْهِ قَوْلُهُ مِثْلَ ثَدْيِ الْمَرْأَةِ أَوْ قَالَ مِثْلَ الْبَضْعَةِ بِفَتْح الْمُوَحدَة
الصفحة 294