كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 12)

قَالَ الْقُرْطُبِيُّ وَكَانَ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ سَمِعَ أَنَّ الشَّرْعَ وَرَدَ بِأَنَّ الْوَلَدَ لِلْفِرَاشِ وَإِلَّا فَلَمْ يَكُنْ عَادَتُهُمُ الْإِلْحَاقَ بِهِ كَذَا قَالَهُ وَمَا أَدْرِي مِنْ أَيْنَ لَهُ هَذَا الْجَزْمُ بِالنَّفْيِ وَكَأَنَّهُ بَنَاهُ عَلَى مَا قَالَ الْخَطَّابِيُّ أَمَةُ زَمْعَةَ كَانَتْ مِنَ الْبَغَايَا اللَّاتِي عَلَيْهِنَّ مِنَ الضَّرَائِبِ فَكَانَ الْإِلْحَاقُ مُخْتَصًّا بِاسْتِلْحَاقِهَا عَلَى مَا ذُكِرَ أَوْ بِإِلْحَاقِ الْقَائِفِ عَلَى مَا فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ لَكِنْ لَمْ يَذْكُرِ الْخَطَّابِيُّ مُسْتَنَدًا لِذَلِكَ وَالَّذِي يَظْهَرُ مِنْ سِيَاقِ الْقِصَّةِ مَا قَدَّمْتُهُ أَنَّهَا كَانَتْ أَمَةً مُسْتَفْرَشَةً لِزَمْعَةَ فَاتَّفَقَ أَنَّ عُتْبَةَ زَنَى بِهَا كَمَا تَقَدَّمَ وَكَانَتْ طَرِيقَةُ الْجَاهِلِيَّةِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ أَنَّ السَّيِّدَ إِنِ اسْتَلْحَقَهُ لَحِقَهُ وَإِنْ نَفَاهُ انْتَفَى عَنْهُ وَإِذَا ادَّعَاهُ غَيْرُهُ كَانَ مَرَدُّ ذَلِكَ إِلَى السَّيِّدِ أَوِ الْقَافَةِ وَقَدْ وَقَعَ فِي حَدِيث بن الزُّبَيْرِ الَّذِي أَسُوقُهُ بَعْدَ هَذَا مَا يُؤَيِّدُ مَا قُلْتُهُ وَأَمَّا قَوْلُهُ إِنَّ عَبْدَ بْنَ زَمْعَةَ سَمِعَ أَنَّ الشَّرْعَ إِلَخْ فَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ يَبْعُدُ أَنْ يَسْمَعَ ذَلِكَ عَبْدُ بْنُ زَمعَة وَهُوَ بِمَكَّة لم يعلم بَعْدُ وَلَا يَسْمَعُهُ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَهُوَ مِنَ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ الْمُلَازِمِينَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ حِينِ إِسْلَامِهِ إِلَى حِينِ فَتْحِ مَكَّةَ نَحْوَ الْعِشْرِينَ سُنَّةً حَتَّى وَلَوْ قُلْنَا إِنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَرِدْ بِذَلِكَ إِلَّا فِي زَمَنِ الْفَتْحِ فَبُلُوغُهُ لِعَبْدٍ قَبْلَ سَعْدٍ بَعِيدٌ أَيْضًا وَالَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ شَرْعِيَّةَ ذَلِكَ إِنَّمَا عُرِفَتْ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَإِلَّا فَمَا كَانَ سَعْدٌ لَوْ سَبَقَ عِلْمُهُ بِذَلِكَ لِيَدَّعِيَهُ بَلِ الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ كُلًّا مِنْ سَعْدٍ وَعُتْبَةَ بَنَى عَلَى الْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ وَأَنَّ مِثْلَ هَذَا الْوَلَدِ يَقْبَلُ النزاع وقدأخرج أَبُو دَاوُدَ تِلْوَ حَدِيثِ الْبَابِ بِسَنَدٍ حَسَنٍ إِلَى عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ قَامَ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ فُلَانًا ابْنِي عَاهَرْتُ بِأُمِّهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا دَعْوَة فِي الْإِسْلَام ذهب أَمر الْجَاهِلِيَّةِ الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ وَقَدْ وَقَعَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ أَنَّ ذَلِكَ وَقَعَ فِي زَمَنِ الْفَتْحِ وَهُوَ يُؤَيِّدُ مَا قُلْتُهُ وَاسْتُدِلَّ بِهَذِهِ الْقِصَّةِ عَلَى أَنَّ الِاسْتِلْحَاقَ لَا يَخْتَصُّ بِالْأَبِ بَلْ لِلْأَخِ أَنْ يَسْتَلْحِقَ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيَّةِ وَجَمَاعَةٍ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الْأَخُ حَائِزًا أَوْ يُوَافِقَهُ بَاقِي الْوَرَثَةِ وَإِمْكَانِ كَوْنِهِ مِنَ الْمَذْكُورِ وَأَنْ يُوَافِقَ عَلَى ذَلِكَ إِنْ كَانَ بَالِغًا عَاقِلًا وَأَنْ لَا يَكُونَ مَعْرُوفَ الْأَبِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ زَمْعَةَ كَانَ لَهُ وَرَثَةٌ غَيْرُ عَبْدٍ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَمْ يَخْلُفْ وَارِثًا غَيْرَهُ إِلَّا سَوْدَةَ فَإِنْ كَانَ زَمْعَةُ مَاتَ كَافِرًا فَلَمْ يَرِثْهُ إِلَّا عَبْدٌ وَحْدَهُ وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ أَسْلَمَ وَوَرِثَتْهُ سَوْدَةُ فَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ وَكَّلَتْ أَخَاهَا فِي ذَلِكَ أَوِ ادَّعَتْ أَيْضًا وَخَصَّ مَالِكٌ وَطَائِفَةٌ الِاسْتِلْحَاقَ بِالْأَبِ وَأَجَابُوا بِأَنَّ الْإِلْحَاقَ لَمْ يَنْحَصِرْ فِي اسْتِلْحَاقِ عَبْدٍ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اطَّلَعَ عَلَى ذَلِكَ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ كَاعْتِرَافِ زَمْعَةَ بِالْوَطْءِ وَلِأَنَّهُ إِنَّمَا حَكَمَ بِالْفِرَاشِ لِأَنَّهُ قَالَ بَعْدَ قَوْلِهِ هُوَ لَكَ الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ لِأَنَّهُ لَمَّا أَبْطَلَ الشَّرْعُ إِلْحَاقَ هَذَا الْوَلَدِ بِالزَّانِي لَمْ يَبْقَ صَاحِبَ الْفِرَاشِ وَجَرَى الْمُزَنِيُّ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْإِلْحَاقَ يَخْتَصُّ بِالْأَبِ فَقَالَ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَقْبَلُ إِقْرَارَ أَحَدٍ عَلَى غَيْرِهِ وَالَّذِي عِنْدِي فِي قِصَّةِ عَبْدِ بْنِ زَمْعَةَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجَابَ عَنِ الْمَسْأَلَةِ فَأَعْلَمَهُمْ أَنَّ الْحُكْمَ كَذَا بِشَرْطِ أَنْ يَدَّعِيَ صَاحِبُ الْفِرَاشِ لَا أَنَّهُ قَبِلَ دَعْوَى سَعْدٍ عَنْ أَخِيهِ عُتْبَةَ وَلَا دَعْوَى عَبْدِ بْنِ زَمْعَةَ عَنْ زَمْعَةَ بَلْ عَرَّفَهُمْ أَنَّ الْحَكَمَ فِي مِثْلِهَا يَكُونُ كَذَلِكَ قَالَ وَلِذَلِكَ قَالَ احْتَجِبِي مِنْهُ يَا سَوْدَةُ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ قَوْلَهُ لِعَبْدِ بْنِ زَمْعَةَ هُوَ أَخُوكَ يَدْفَعُ هَذَا التَّأْوِيلَ وَاسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْوَصِيَّ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُسْتَلْحَقَ وَلَدَ مُوصِيهِ إِذَا أَوْصَى إِلَيْهِ بِأَنْ يَسْتَلْحِقَهُ وَيَكُونَ كَالْوَكِيلِ عَنْهُ فِي ذَلِكَ وَقَدْ مَضَى التَّبْوِيبُ بِذَلِكَ فِي كِتَابِ الْأَشْخَاصِ وَعَلَى أَنَّ الْأَمَةَ تَصِيرُ فِرَاشًا بِالْوَطْءِ فَإِذَا اعْتَرَفَ السَّيِّدُ بِوَطْءِ أَمَتِهِ أَوْ ثَبَتَ ذَلِكَ بِأَيِّ طَرِيقٍ كَانَ ثُمَّ أَتَتْ بِوَلَدٍ لِمُدَّةِ الْإِمْكَانِ بَعْدَ الْوَطْءِ لَحِقَهُ مِنْ غَيْرِ اسْتِلْحَاقٍ كَمَا فِي الزَّوْجَةِ لَكِنَّ الزَّوْجَةَ تَصِيرُ فِرَاشًا بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِي الِاسْتِلْحَاقِ إِلَّا الْإِمْكَانُ لِأَنَّهَا ترَاد الموطء فَجُعِلَ الْعَقْدُ عَلَيْهَا كَالْوَطْءِ بِخِلَافِ الْأَمَةِ فَإِنَّهَا تُرَادُ لِمَنَافِعَ أُخْرَى فَاشْتُرِطَ فِي حَقِّهَا الْوَطْءُ

الصفحة 34