كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 12)
الشَّرْعِ الْمُسْتَقَرِّ فِي الظَّاهِرِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ مَشْرُوعًا فِي حَقِّهِ وَلَا فِي حَقِّ غَيْرِهِ حَتَّى يَجِبَ عَلَيْهِ تَبْلِيغُهُ وَسَيَأْتِي بَسْطُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي الْكَلَامِ عَلَى حَدِيثِ مَنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ فَقَدْ رَآنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
(قَوْلُهُ بَابُ الْمُبَشِّرَاتِ)
بِكَسْرِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ جَمْعُ مُبَشِّرَةٍ وَهِيَ الْبُشْرَى وَقَدْ وَرَدَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى لَهُم الْبُشْرَى فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا هِيَ الرُّؤْيَا الصَّالِحَة أخرجه التِّرْمِذِيّ وبن مَاجَهْ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ وَرُوَاتُهُ ثِقَاتٌ إِلَّا أَنَّ أَبَا سَلَمَةَ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ عُبَادَةَ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ نُبِّئْتُ عَنْ عُبَادَةَ وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا هُوَ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو يَعْلَى مِنْ طَرِيقِ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ عَنْ عُبَادَةَ وَذكر بن أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ هَذَا الرَّجُلَ لَيْسَ بِمَعْرُوف وَأخرجه بن مرْدَوَيْه من حَدِيث بن مَسْعُودٍ قَالَ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ مِثْلَهُ وَفِي الْبَابِ عَنْ جَابِرٍ عِنْدَ الْبَزَّارِ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةُ عِنْدَ الطَّبَرِيِّ وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عِنْدَ أَبِي يَعْلَى
[6990] قَوْلُهُ لَمْ يَبْقَ مِنَ النُّبُوَّةِ إِلَّا الْمُبَشِّرَاتُ كَذَا ذَكَرَهُ بِاللَّفْظِ الدَّالِّ عَلَى الْمُضِيِّ تَحْقِيقًا لِوُقُوعِهِ وَالْمُرَادُ الِاسْتِقْبَالُ أَيْ لَا يَبْقَى وَقِيلَ هُوَ عَلَى ظَاهِرِهِ لِأَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ فِي زَمَانِهِ وَاللَّامُ فِي النُّبُوَّةِ لِلْعَهْدِ وَالْمُرَادُ نُبُوَّتُهُ وَالْمَعْنَى لَمْ يَبْقَ بَعْدَ النُّبُوَّةِ الْمُخْتَصَّةِ بِي إِلَّا الْمُبَشِّرَاتُ ثُمَّ فَسَّرَهَا بِالرُّؤْيَا وَصَرَّحَ بِهِ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ بِلَفْظِ لَمْ يَبْقَ بَعْدِي وَقَدْ جَاءَ فِي حَدِيث بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ذَلِكَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ معبد عَن أَبِيه عَن بن عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَشَفَ السِّتَارَةَ وَرَأْسُهُ مَعْصُوبٌ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ وَالنَّاسُ صُفُوفٌ خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ مُبَشِّرَاتِ النُّبُوَّةِ إِلَّا الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يَرَاهَا الْمُسْلِمُ أَوْ تُرَى لَهُ الْحَدِيثَ وَلِلنَّسَائِيِّ مِنْ رِوَايَةِ زُفَرَ بْنِ صَعْصَعَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ أَنَّهُ لَيْسَ يَبْقَى بَعْدِي مِنَ النُّبُوَّةِ إِلَّا الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ وَهَذَا يُؤَيِّدُ التَّأْوِيلَ الْأَوَّلَ وَظَاهِرُ الِاسْتِثْنَاءِ مَعَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الرُّؤْيَا جُزْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ النُّبُوَّةِ أَنَّ الرُّؤْيَا نُبُوَّةٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْمُرَادَ تَشْبِيهُ أَمْرِ الرُّؤْيَا بِالنُّبُوَّةِ أَوْ لِأَنَّ جُزْءَ الشَّيْءِ لَا يَسْتَلْزِمُ ثُبُوتَ وَصْفِهِ لَهُ كَمَنْ قَالَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَافِعًا صَوْتَهُ لَا يُسَمَّى مُؤَذِّنًا وَلَا يُقَالُ إِنَّهُ أَذَّنَ وَإِنْ كَانَتْ جُزْءًا مِنَ الْأَذَانِ وَكَذَا لَوْ قَرَأَ شَيْئًا مِنَ الْقُرْآنِ وَهُوَ قَائِمٌ لَا يُسَمَّى مُصَلِّيًا وَإِنْ كَانَتِ الْقِرَاءَةُ جُزْءًا مِنَ الصَّلَاةِ وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ أُمِّ كُرْزٍ بِضَمِّ الْكَافِ وَسُكُونِ الرَّاءِ بَعْدَهَا زَايٌ الْكَعْبِيَّةِ قَالَتْ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ ذَهَبَتِ النُّبُوَّةُ وَبَقِيَتِ الْمُبَشِّرَاتُ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وبن ماجة وَصَححهُ بن خُزَيْمَة وبن حِبَّانَ وَلِأَحْمَدَ عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا لَمْ يَبْقَ بَعْدِي مِنَ الْمُبَشِّرَاتِ إِلَّا الرُّؤْيَا وَلَهُ وَلِلطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيثِ حُذَيْفَةَ بْنِ أُسَيْدٍ مَرْفُوعًا ذَهَبَتِ النُّبُوَّةُ وَبَقِيَتِ الْمُبَشِّرَاتُ وَلِأَبِي يَعْلَى مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ رَفَعَهُ إِنَّ الرِّسَالَةَ وَالنُّبُوَّةَ قَدِ انْقَطَعَتْ وَلَا نَبِيَّ وَلَا رَسُولَ بَعْدِي وَلَكِنْ بَقِيَتِ الْمُبَشِّرَاتُ قَالُوا وَمَا الْمُبَشِّرَاتُ قَالَ رُؤْيَا الْمُسْلِمِينَ جُزْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ النُّبُوَّةِ قَالَ الْمُهَلَّبُ مَا حَاصِلُهُ التَّعْبِيرُ بِالْمُبَشِّرَاتِ خَرَجَ لِلْأَغْلَبِ فَإِنَّ مِنَ الرُّؤْيَا مَا تَكُونُ
الصفحة 375