كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 12)

تَقَدَّمَ فِي تَفْسِيرِ الْحِجَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ إِنَّهُ كَانَ يُحَرِّمُ عَلَيْهِنَّ بَعْدَ الْحِجَابِ إِبْرَازَ أَشْخَاصِهِنَّ وَلَوْ كُنَّ مُسْتَتِرَاتٍ إِلَّا لِضَرُورَةٍ بِخِلَافِ غَيْرِهِنَّ فَلَا يُشْتَرَطُ وَأَيْضًا فَإِنَّ لِلزَّوْجِ أَنْ يَمْنَعَ زَوْجَتَهُ مِنَ الِاجْتِمَاعِ بِمَحَارِمِهَا فَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِالِاحْتِجَابِ عَدَمُ الِاجْتِمَاعِ بِهِ فِي الْخَلْوَةِ وَقَالَ بن حَزْمٍ لَا يَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ أَنْ يَرَاهَا أَخُوهَا بَلِ الْوَاجِبُ عَلَيْهَا صِلَةُ رَحِمِهَا وَرُدَّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ هُوَ لَكَ أَيْ عَبْدٌ بِأَنَّهُ لَوْ قَضَى بِأَنَّهُ عَبْدٌ لَمَا أَمَرَ سَوْدَةَ بِالِاحْتِجَابِ مِنْهُ إِمَّا لِأَنَّ لَهَا فِيهِ حِصَّةً وَإِمَّا لِأَنَّ مَنْ فِي الرِّقِّ لَا يُحْتَجَبُ مِنْهُ عَلَى الْقَوْلِ بِذَلِكَ وَقَدْ تَقَدَّمَ جَوَابُ الْمُزَنِيِّ عَنْ ذَلِكَ قَرِيبًا وَاسْتَدَلَّ بِهِ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الْحُكْمِ بَيْنَ حُكْمَيْنِ وَهُوَ أَنْ يَأْخُذَ الْفَرْعَ شَبَهًا مِنْ أَكْثَرَ مِنْ أَصْلٍ فَيُعْطَى أَحْكَامًا بِعَدَدِ ذَلِكَ وَذَلِكَ أَنَّ الْفِرَاشَ يَقْتَضِي إِلْحَاقَهُ بِزَمْعَةَ فِي النَّسَبِ وَالشَّبَهَ يَقْتَضِي إِلْحَاقَهُ بِعُتْبَةَ فَأَعْطَى الْفَرْعَ حُكْمًا بَيْنَ حُكْمَيْنِ فَرُوعِيَ الْفِرَاشُ فِي النَّسَبِ وَالشَّبَهُ الْبَيِّنُ فِي الِاحْتِجَابِ قَالَ وَإِلْحَاقُهُ بِهِمَا وَلَوْ كَانَ مِنْ وَجْهٍ أَوْلَى مِنْ إِلْغَاءِ أَحَدِهِمَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ قَالَ بن دَقِيقِ الْعِيدِ وَيُعْتَرَضُ عَلَى هَذَا بِأَنَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ مَا إِذَا دَارَ الْفَرْعُ بَيْنَ أَصْلَيْنِ شَرْعِيَّيْنِ وَهُنَا الْإِلْحَاقُ شَرْعِيٌّ لِلتَّصْرِيحِ بِقَوْلِهِ الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ فَبَقِيَ الْأَمْرُ بِالِاحْتِجَابِ مُشْكِلًا لِأَنَّهُ يُنَاقِضُ الْإِلْحَاقَ فَتَعَيَّنَ أَنَّهُ لِلِاحْتِيَاطِ لَا لِوُجُوبِ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ وَلَيْسَ فِيهِ إِلَّا تَرْكُ مُبَاحٍ مَعَ ثُبُوتِ الْمَحْرَمِيَّةِ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ لَا يُحِلُّ الْأَمْرَ فِي الْبَاطِنِ كَمَا لَوْ حُكِمَ بِشَهَادَةٍ فَظَهَرَ أَنَّهَا زُورٌ لِأَنَّهُ حَكَمَ بِأَنَّهُ أَخُو عَبْدٍ وَأَمَرَ سَوْدَةَ بِالِاحْتِجَابِ بِسَبَبِ الشَّبَهِ بِعُتْبَةَ فَلَوْ كَانَ الْحُكْمُ يُحِلَّ الْأَمْرَ فِي الْبَاطِنِ لَمَا أَمَرَهَا بِالِاحْتِجَابِ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ لِوَطْءِ الزِّنَا حُكْمَ وَطْءِ الْحَلَالِ فِي حُرْمَةِ الْمُصَاهَرَةِ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ أَمْرُ سَوْدَةَ بِالِاحْتِجَابِ بَعْدَ الْحُكْمِ بِأَنَّهُ أَخُوهَا لِأَجْلِ الشَّبَهِ بِالزَّانِي وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ وَالشَّافِعِيُّ لَا أَثَرَ لِوَطْءِ الزِّنَا بَلْ لِلزَّانِي أَنْ يَتَزَوَّجَ أُمَّ الَّتِي زنى بهَا وبنتها وَزَاد الشَّافِعِي وَوَافَقَهُ بن الْمَاجِشُونِ وَالْبِنْتَ الَّتِي تَلِدُهَا الْمَزْنِيُّ بِهَا وَلَوْ عَرَفَتْ أَنَّهَا مِنْهُ قَالَ النَّوَوِيُّ وَهَذَا احْتِجَاجٌ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ مِنَ الزِّنَا فَهُوَ أَجْنَبِيٌّ مِنْ سَوْدَةَ لَا يَحِلُّ لَهَا أَنْ تَظْهَرَ لَهُ سَوَاءٌ أُلْحِقَ بِالزَّانِي أَمْ لَا فَلَا تَعَلُّقَ لَهُ بِمَسْأَلَةِ الْبِنْتِ الْمَخْلُوقَةِ مِنَ الزِّنَا كَذَا قَالَ وَهُوَ رَدٌّ لِلْفَرْعِ بِرَدِّ الْأَصْلِ وَإِلَّا فَالْبِنَاءُ الَّذِي بَنَوْهُ صَحِيحٌ وَقَدْ أَجَابَ الشَّافِعِيَّةُ عَنْهُ بِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْأَمْرَ بِالِاحْتِجَابِ لِلِاحْتِيَاطِ وَيُحْمَلُ الْأَمْرُ فِي ذَلِكَ إِمَّا عَلَى النَّدْبِ وَإِمَّا عَلَى تَخْصِيصِ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ بِذَلِكَ فَعَلَى تَقْدِيرِ النَّدْبِ فَالشَّافِعِيُّ قَائِلٌ بِهِ فِي الْمَخْلُوقَةِ مِنَ الزِّنَا وَعَلَى التَّخْصِيصِ فَلَا إِشْكَالَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَيَلْزَمُ مَنْ قَالَ بِالْوُجُوبِ أَنْ يَقُولَ بِهِ فِي تَزْوِيجِ الْبِنْتِ الْمَخْلُوقَةِ مِنْ مَاءِ الزِّنَا فَيُجِيزُ عِنْدَ فَقْدِ الشَّبَهِ وَيَمْنَعُ عِنْدَ وُجُودِهِ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى صِحَّةِ مِلْكِ الْكَافِرِ الْوَثَنِيِّ الْأَمَةَ الْكَافِرَةَ وَأَنَّ حُكْمَهَا بَعْدَ أَنْ تَلِدَ مِنْ سَيِّدِهَا حُكْمُ الْقِنِّ لِأَنَّ عَبْدًا وَسَعْدًا أَطْلَقَا عَلَيْهَا أَمَةً وَوَلِيدَةً وَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَذَا أَشَارَ إِلَيْهِ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ الْعِتْقِ عَقِبَ هَذَا الْحَدِيثِ بَعْدَ أَنْ تَرْجَمَ لَهُ أُمُّ الْوَلَدِ وَلَكِنَّهُ لَيْسَ فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ عِتْقَ أُمِّ الْوَلَدِ بِمَوْتِ السَّيِّدِ ثَبَتَ بِأَدِلَّةٍ أُخْرَى وَقِيلَ إِنَّ غَرَضَ الْبُخَارِيِّ بِإِيرَادِهِ أَنَّ بَعْضَ الْحَنَفِيَّةِ لَمَّا أَلْزَمَ أَنَّ أُمَّ الْوَلَدِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ كَانَتْ حُرَّةً رَدَّ ذَلِكَ وَقَالَ بَلْ كَانَتْ عَتَقَتْ وَكَأَنَّهُ قَدْ وَرَدَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ أَنَّهَا أَمَةٌ فَمَنِ ادَّعَى أَنَّهَا عَتَقَتْ فَعَلَيْهِ الْبَيَان

[6750] قَوْله عَن يحيى هُوَ بن سَعِيدٍ الْقَطَّانُ وَمُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ هُوَ الْجُمَحِيُّ قَوْلُهُ الْوَلَدُ لِصَاحِبِ الْفِرَاشِ كَذَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَزَادَ آدَمُ عَنْ شُعْبَةَ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ وَكَذَا أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُعَاذٍ عَنْ شُعْبَةَ وَلِهَذَا الحَدِيث سَبَب غير قصَّة بن زَمْعَةَ فَقَدْ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ مِنْ رِوَايَةِ حُسَيْنٍ الْمُعَلِّمِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ قَامَ رَجُلٌ فَقَالَ لَمَّا فُتِحَتْ مَكَّةُ إِنَّ فُلَانًا ابْنِي فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا دَعْوَة فِي

الصفحة 38