كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 12)

وَيَجُوزُ أَنْ يَفْعَلَ اللَّهُ بِعَبْدِهِ مَا يُكَرِّمُهُ بِهِ وَلَكِنَّ التَّمْيِيزَ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ فِي ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ مَا اسْتَقَامَ عَلَى الشَّرِيعَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ وَلَمْ يَكُنْ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مَا يَرُدُّهُ فَهُوَ مَقْبُولٌ وَإِلَّا فَمَرْدُودٌ يَقَعُ مِنْ حَدِيثِ النَّفْسِ وَوَسْوَسَةِ الشَّيْطَانِ ثُمَّ قَالَ وَنَحْنُ لَا نُنْكِرُ أَنَّ اللَّهَ يُكَرِّمُ عَبْدَهُ بِزِيَادَةِ نُورٍ مِنْهُ يَزْدَادُ بِهِ نَظَرُهُ وَيَقْوَى بِهِ رَأْيُهُ وَإِنَّمَا نُنْكِرُ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى قَلْبِهِ بِقَوْلٍ لَا يَعْرِفُ أَصْلَهُ وَلَا نَزْعُمُ أَنَّهُ حُجَّةٌ شَرْعِيَّةٌ وَإِنَّمَا هُوَ نُورٌ يَخْتَصُّ اللَّهُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَإِنْ وَافَقَ الشَّرْعَ كَانَ الشَّرْعُ هُوَ الْحُجَّةَ انْتَهَى وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا مَا تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ أَنَّ النَّائِمَ لَوْ رَأَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُهُ بِشَيْءٍ هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ امْتِثَالُهُ وَلَا بُدَّ أَوْ لَا بُدَّ أَنْ يَعْرِضَهُ عَلَى الشَّرْعِ الظَّاهِرِ فَالثَّانِي هُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا تَقَدَّمَ تَنْبِيهٌ وَقَعَ فِي الْمُعْجَمِ الْأَوْسَطِ لِلطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ مِثْلُ أَوَّلِ حَدِيثٍ فِي الْبَابِ بِلَفْظِهِ لَكِنْ زَادَ فِيهِ وَلَا بِالْكَعْبَةِ وَقَالَ لَا تُحْفَظُ هَذِهِ اللَّفْظَةُ إِلَّا فِي هَذَا الْحَدِيثِ

[6994] الْحَدِيثُ الثَّانِي حَدِيثُ أَنَسٍ قَوْلُهُ مَنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ فَقَدْ رَآنِي هَذَا اللَّفْظُ وَقَعَ مِثْلُهُ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ كَمَا مَضَى فِي كِتَابِ الْعِلْمِ وَفِي كِتَابِ الْأَدَبِ قَالَ الطِّيبِيُّ اتَّحَدَ فِي هَذَا الْخَبَرِ الشَّرْطُ وَالْجَزَاءُ فَدَلَّ عَلَى التَّنَاهِي فِي الْمُبَالَغَةِ أَيْ مَنْ رَآنِي فَقَدْ رَأَى حَقِيقَتِي عَلَى كَمَالِهَا بِغَيْرِ شُبْهَةٍ وَلَا ارْتِيَابٍ فِيمَا رَأَى بَلْ هِيَ رُؤْيَا كَامِلَةٌ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ فِي حَدِيثَيْ أَبِي قَتَادَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ فَقَدْ رَأَى الْحَقَّ أَيْ رُؤْيَةَ الْحَقِّ لَا الْبَاطِلِ وَهُوَ يَرُدُّ مَا تَقَدَّمَ مِنْ كَلَامِ مَنْ تَكَلَّفَ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ مَنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ فَسَيَرَانِي فِي الْيَقَظَةِ وَالَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ الْمُرَادَ مَنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ عَلَى أَيِّ صِفَةٍ كَانَتْ فَلْيَسْتَبْشِرْ وَيَعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ رَأَى الرُّؤْيَا الْحَقَّ الَّتِي هِيَ مِنَ اللَّهِ لَا الْبَاطِلَ الَّذِي هُوَ الْحُلْمُ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَتَمَثَّلُ بِي قَوْلُهُ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَتَمَثَّلُ بِي قَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ وَفِيهِ وَرُؤْيَا الْمُؤْمِنِ جُزْءٌ الْحَدِيثَ وَقَدْ سَبَقَ قَبْلَ خَمْسَةِ أَبْوَابٍ الْحَدِيثُ الثَّالِثُ حَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ

[6995] الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ مِنَ اللَّهِ وَسَيَأْتِي شَيْءٌ مِنْ شَرْحِهِ فِي بَابِ الْحُلْمِ مِنَ الشَّيْطَانِ وَفِيهِ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَتَرَاءَى بِي وَقَدْ ذَكَرْتُ مَا فِيهِ الْحَدِيثُ الرَّابِعُ حَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ

[6996] مَنْ رَآنِي فَقَدْ رَأَى الْحَقَّ أَيِ الْمَنَامَ الْحَقَّ أَيِ الصِّدْقَ وَمِثْلُهُ فِي الْحَدِيثِ الْخَامِسِ قَالَ الطِّيبِيُّ الْحَقُّ هُنَا مَصْدَرٌ مُؤَكِّدٌ أَيْ فَقَدْ رَأَى رُؤْيَةَ الْحَقِّ وَقَوْلُهُ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَتَمَثَّلُ بِي لِتَتْمِيمِ الْمَعْنَى وَالتَّعْلِيلِ لِلْحُكْمِ قَوْلُهُ تَابعه يُونُس يَعْنِي بن يزِيد وبن أَخِي الزُّهْرِيِّ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُسْلِمٍ يُرِيدُ أَنَّهُمَا رُوَّيَاهُ عَنِ الزُّهْرِيِّ كَمَا رَوَاهُ الزُّبَيْدِيُّ وَقَدْ ذَكَرْتُ فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ أَنَّ مُسْلِمًا وَصَلَهُمَا مِنْ طَرِيقِهِمَا وَسَاقَهُ على لفظ يُونُس وأحال بِرِوَايَة بن أَخِي الزُّهْرِيِّ عَلَيْهِ وَأَخْرَجَهُ أَبُو يَعْلَى فِي مُسْنَدِهِ عَنْ أَبِي خَيْثَمَةَ شَيْخِ مُسْلِمٍ فِيهِ وَلَفْظُهُ مَنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ فَقَدْ رَأَى الْحَقَّ وَقَالَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ وَتَابَعَهُمَا شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ قُلْتُ وَصَلَهُ الذُّهْلِيُّ فِي الزُّهْرِيَّاتِ الْحَدِيثُ الْخَامِسُ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ

[6997] مَنْ رَآنِي فَقَدْ رَأَى الْحَقَّ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يتكونني وَقد تقدم مَا فِيهِ وبن الْهَادِ فِي السَّنَدِ هُوَ يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُسَامَةَ قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ وَرَوَاهُ يَحْيَى بن أَيُّوب عَن بن الْهَادِ قَالَ وَلَمْ أَرَهُ يَعْنِي الْبُخَارِيَّ ذَكَرَ عَنْهُ أَيْ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ حَدِيثًا بِرَأْسِهِ إِلَّا اسْتِدْلَالًا أَيْ مُتَابَعَةً إِلَّا فِي حَدِيثٍ وَاحِدٍ ذَكَرَهُ فِي النُّذُورِ مِنْ طَرِيقِ بن جُرَيْجٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ أَبِي الْخَيْرِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ فِي قِصَّةِ أُخْتِهِ قُلْتُ وَالْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي عَاصِم عَن بن جُرَيْجٍ بِهَذَا السَّنَدِ وَسَقَطَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ مِنَ الصَّحِيحِ لَكِنَّهُ أَوْرَدَهُ فِي كِتَابِ الْحَجِّ عَنْ أَبِي عَاصِمٍ وَلَيْسَ كَمَا قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ إِنَّهُ أَخْرَجَهُ لِيَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ اسْتِقْلَالًا فَإِنَّهُ أَخْرَجَهُ مِنْ رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ يُوسُفَ عَنِ بن جُرَيْجٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي أَيُّوبَ فَكَأَنَّ لِابْنِ جُرَيْجٍ فِيهِ شَيْخَيْنِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا رَوَاهُ لَهُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ فَأَشَارَ الْبُخَارِيُّ إِلَى أَنَّ هَذَا الِاخْتِلَافَ لَيْسَ بِقَادِحٍ فِي صِحَّةِ الْحَدِيثِ وَظَهَرَ بِهَذَا أَنَّهُ لَمْ يُخَرِّجْهُ لِيَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ اسْتِقْلَالًا بَلْ بِمُتَابَعَةِ سعيد بن أبي أَيُّوب

الصفحة 389