كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 12)

قَالَ جَاءَ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ كَأَنَّ رَأْسِي قُطِعَ فَأَنَا أَتْبَعُهُ وَفِي لَفْظٍ فَقَدْ خَرَجَ فَاشْتَدَدْتُ فِي أَثَرِهِ فَقَالَ لَا تُخْبِرْ بِتَلَاعُبِ الشَّيْطَانِ بِكَ فِي الْمَنَامِ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ إِذَا تَلَاعَبَ الشَّيْطَانُ بِأَحَدِكُمْ فِي مَنَامِهِ فَلَا يُخْبِرْ بِهِ النَّاسَ وَنَوْعٌ سَادِسٌ وَهُوَ رُؤْيَا مَا يَعْتَادُهُ الرَّائِي فِي الْيَقَظَةِ كَمَنْ كَانَتْ عَادَتُهُ أَنْ يَأْكُلَ فِي وَقْتٍ فَنَامَ فِيهِ فَرَأَى أَنَّهُ يَأْكُلُ أَوْ بَاتَ طَافِحًا مِنْ أَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ فَرَأَى أَنَّهُ يَتَقَيَّأُ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ حَدِيثِ النَّفْسِ عُمُومٌ وَخُصُوصٌ وَسَابِعٌ وَهُوَ الْأَضْغَاثُ قَوْلُهُ فَمَنْ رَأَى شَيْئًا يَكْرَهُهُ فَلَا يَقُصَّهُ عَلَى أَحَدٍ وَلْيَقُمْ فَلْيُصَلِّ زَادَ فِي رِوَايَةِ هَوْذَةَ فَإِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ رُؤْيَا تُعْجِبُهُ فَلْيَقُصَّهَا لِمَنْ يَشَاءُ وَإِذَا رَأَى شَيْئًا يَكْرَهُهُ فَذَكَرَ مِثْلَهُ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ فَيُصَلِّ وَلَا يُحَدِّثْ بِهَا النَّاسَ وَزَادَ فِي رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ بن سِيرِينَ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ وَكَانَ يَقُولُ لَا تَقُصَّ الرُّؤْيَا إِلَّا عَلَى عَالِمٍ أَوْ نَاصِحٍ وَهَذَا وَرَدَ مَعْنَاهُ مَرْفُوعًا فِي حَدِيثِ أَبِي رَزِينٍ عِنْد أبي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وبن مَاجَهْ وَلَا يَقُصَّهَا إِلَّا عَلَى وَادٍّ أَوْ ذِي رَأْيٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُ هَذِهِ الزِّيَادَةِ فِي بَابِ الرُّؤْيَا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى قَوْلُهُ قَالَ وَكَانَ يُكْرَهُ الْغُلُّ فِي النَّوْمِ وَيُعْجِبُهُمُ الْقَيْد وَيُقَال الْقَيْدُ ثَبَاتٌ فِي الدِّينِ كَذَا ثَبَتَ هُنَا بِلَفْظِ الْجَمْعِ فِي يُعْجِبُهُمْ وَالْإِفْرَادُ فِي يُكْرَهُ وَيَقُولُ قَالَ الطِّيبِيُّ ضَمِيرُ الْجَمْعِ لِأَهْلِ التَّعْبِيرِ وَكَذَا قَوْلُهُ وَكَانَ يُقَالُ قَالَ الْمُهَلَّبُ الْغُلُّ يُعْبَرُ بِالْمَكْرُوهِ لِأَنَّ اللَّهَ أَخْبَرَ فِي كِتَابِهِ أَنَّهُ مِنْ صِفَاتِ أَهْلِ النَّارِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى إِذْ الأغلال فِي أَعْنَاقهم الْآيَةَ وَقَدْ يَدُلُّ عَلَى الْكُفْرِ وَقَدْ يُعْبَرُ بِامْرَأَة تؤذي وَقَالَ بن الْعَرَبِيِّ إِنَّمَا أَحَبُّوا الْقَيْدَ لِذِكْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ فِي قِسْمِ الْمَحْمُودِ فَقَالَ قَيْدُ الْإِيمَانِ الْفَتْكُ وَأَمَّا الْغُلُّ فَقَدْ كُرِهَ شَرْعًا فِي الْمَفْهُومِ كَقَوْلِهِ خُذُوهُ فَغُلُّوهُ وَإِذ الأغلال فِي أَعْنَاقهم وَلَا تجْعَل يدك مغلولة إِلَى عُنُقك وغلت أَيْديهم وانما جُعِلَ الْقَيْدُ ثَبَاتًا فِي الدِّينِ لِأَنَّ الْمُقَيَّدَ لَا يَسْتَطِيعُ الْمَشْيَ فَضُرِبَ مَثَلًا لِلْإِيمَانِ الَّذِي يَمْنَعُ عَنِ الْمَشْيِ إِلَى الْبَاطِلِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ الْعُلَمَاءُ إِنَّمَا أَحَبَّ الْقَيْدَ لِأَنَّ مَحَلَّهُ الرِّجْلُ وَهُوَ كَفٌّ عَنِ الْمَعَاصِي وَالشَّرِّ وَالْبَاطِلِ وَأَبْغَضَ الْغُلَّ لِأَنَّ مَحَلَّهُ الْعُنُقُ وَهُوَ صِفَةُ أَهْلِ النَّارِ وَأَمَّا أَهْلُ التَّعْبِيرِ فَقَالُوا إِنَّ الْقَيْدَ ثَبَاتٌ فِي الْأَمْرِ الَّذِي يَرَاهُ الرَّائِي بِحَسَبِ مَنْ يَرَى ذَلِكَ لَهُ وَقَالُوا إِنِ انْضَمَّ الْغُلُّ إِلَى الْقَيْدِ دَلَّ عَلَى زِيَادَةِ الْمَكْرُوهِ وَإِذَا جُعِلَ الْغُلُّ فِي الْيَدَيْنِ حَمِدَ لِأَنَّهُ كَفٌّ لَهُمَا عَنِ الشَّرِّ وَقَدْ يَدُلُّ عَلَى الْبُخْلِ بِحَسَبِ الْحَالِ وَقَالُوا أَيْضًا إِنْ رَأَى أَنَّ يَدَيْهِ مَغْلُولَتَانِ فَهُوَ بَخِيلٌ وَإِنْ رَأَى أَنَّهُ قَيْدٌ وَغُلٌّ فَإِنَّهُ يَقَعُ فِي سِجْنٍ أَوْ شِدَّةٍ قُلْتُ وَقَدْ يَكُونُ الْغُلُّ فِي بَعْضِ الْمُرَائِي مَحْمُودًا كَمَا وَقَعَ لِأَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ فَأَخْرَجَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ مَرَّ صُهَيْبٌ بِأَبِي بَكْرٍ فَأَعْرَضَ عَنْهُ فَسَأَلَهُ فَقَالَ رَأَيْتُ يَدَكَ مَغْلُولَةً عَلَى بَابِ أَبِي الْحَشْرِ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ جَمَعَ لِي دَيْنِي إِلَى يَوْمِ الْحَشْرِ وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ اخْتُلِفَ فِي قَوْلِهِ وَكَانَ يُقَالُ هَلْ هُوَ مَرْفُوعٌ أَوْ لَا فَقَالَ بَعْضُهُمْ مِنْ قَوْلِهِ وَكَانَ يُقَالُ إِلَى قَوْلِهِ فِي الدِّينِ مَرْفُوعٌ كُله وَقَالَ بَعضهم هُوَ كُله كَلَام بن سِيرِينَ وَفَاعِلُ كَانَ يُكْرَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ قُلْتُ أَخَذَهُ مِنْ كَلَامِ الطِّيبِيِّ فَإِنَّهُ قَالَ يَحْتَمِلُ أَن يكون مقولا للراوي عَن بن سِيرِينَ فَيَكُونُ اسْمُ كَانَ ضَمِيرًا لِابْنِ سِيرِينَ وَأَنْ يَكُونَ مَقُولًا لِابْنِ سِيرِينَ وَاسْمُ كَانَ ضَمِيرَ أَبِي هُرَيْرَةَ أَوِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ بن سِيرِينَ وَقَالَ فِي آخِرِهِ لَا أَدْرِي هُوَ فِي الحَدِيث أَو قَالَه بن سِيرِينَ قَوْلُهُ وَرَوَاهُ قَتَادَةُ وَيُونُسُ وَهِشَامٌ وَأَبُو هِلَال عَن بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْنِي أَصْلَ الْحَدِيثِ وَأَمَّا مِنْ قَوْلِهِ وَكَانَ يُقَالُ فَمِنْهُمْ مَنْ رَوَاهُ بِتَمَامِهِ مَرْفُوعًا وَمِنْهُمْ مَنِ اقْتَصَرَ عَلَى بَعْضِهِ كَمَا سَأُبَيِّنُهُ قَوْلُهُ وَأَدْرَجَهُ بَعْضُهُمْ كُلُّهُ فِي الْحَدِيثِ يَعْنِي جَعَلَهُ كُلَّهُ مَرْفُوعًا وَالْمُرَادُ بِهِ رِوَايَةُ هِشَامٍ عَنْ قَتَادَةَ كَمَا سَأُبَيِّنُهُ قَوْلُهُ وَحَدِيثُ عَوْفٍ

الصفحة 408