كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 12)

الْبِئْر والحوض وَنقل بن التِّينِ عَنْ أَبِي عَبْدِ الْمَلِكِ الْبَوْنِيِّ أَنَّ الْغَرْبَ كُلُّ شَيْءٍ رَفِيعٍ وَعَنِ الدَّاوُدِيِّ قَالَ الْمُرَادُ أَنَّ الدَّلْوَ أَحَالَتْ بَاطِنَ كَفَّيْهِ حَتَّى صَار أَحْمَر من كَثْرَة الاسْتِسْقَاء قَالَ بن التِّينِ وَقَدْ أَنْكَرَ ذَلِكَ أَهْلُ الْعِلْمِ وَرَدُّوهُ عَلَى قَائِلِهِ قَوْلُهُ فَلَمْ أَرَ عَبْقَرِيًّا تَقَدَّمَ ضَبْطُهُ وَبَيَانُهُ فِي مَنَاقِبِ عُمَرَ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ يَفْرِي فَرْيَهُ وَوَقَعَ عِنْدَ النَّسَائِيِّ فِي رِوَايَةِ بن جُرَيْجٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ حَجَّاجٌ قُلْتُ لِابْنِ جُرَيْجٍ مَا اسْتَحَالَ قَالَ رَجَعَ قُلْتُ مَا الْعَبْقَرِيُّ قَالَ الْأَجِيرُ وَتَفْسِيرُ الْعَبْقَرِيِّ بِالْأَجِيرِ غَرِيبٌ قَالَ أَبُو عَمْرٍو الشَّيْبَانِيُّ عَبْقَرِيُّ الْقَوْمِ سَيِّدُهُمْ وَقَوِيُّهُمْ وَكَبِيرُهُمْ وَقَالَ الْفَارَابِيُّ الْعَبْقَرِيُّ مِنَ الرِّجَالِ الَّذِي لَيْسَ فَوْقَهُ شَيْءٌ وَذَكَرَ الْأَزْهَرِيُّ أَنَّ عَبْقَرَ مَوْضِعٌ بِالْبَادِيَةِ وَقِيلَ بَلَدٌ كَانَ يُنْسَجُ فِيهِ الْبُسُطُ الْمَوْشِيَّةُ فَاسْتُعْمِلَ فِي كُلِّ شَيْءٍ جَيِّدٍ وَفِي كُلِّ شَيْءٍ فَائِقٍ وَنَقَلَ أَبُو عُبَيْدٍ أَنَّهَا مِنْ أَرْضِ الْجِنِّ وَصَارَ مَثَلًا لِكُلِّ مَا يُنْسَبُ إِلَى شَيْءٍ نَفِيسٍ وَقَالَ الْفَرَّاءُ الْعَبْقَرِيُّ السَّيِّدُ وَكُلُّ فَاخِرٍ مِنْ حَيَوَانٍ وَجَوْهَرٍ وَبِسَاطٍ وُضِعَتْ عَلَيْهِ وَأَطْلَقُوهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ عَظِيمٍ فِي نَفْسِهِ وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ عقيل الْمشَار إِلَيْهِ ينْزع نزع بن الْخَطَّابِ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي يُونُسَ فَلَمْ أَرَ نَزْعَ رَجُلٍ قَطُّ أَقْوَى مِنْهُ قَوْلُهُ حَتَّى ضَرَبَ النَّاسُ بِعَطَنٍ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَتَيْنِ وَآخِرُهُ نُونٌ هُوَ مَا يُعَدُّ لِلشُّرْبِ حَوْلَ الْبِئْرِ مِنْ مَبَارِكِ الْإِبِلِ وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ ضَرَبَ أَيْ ضَرَبَتِ الْإِبِلُ بِعَطَنٍ بَرَكَتْ وَالْعَطَنُ لِلْإِبِلِ كَالْوَطَنِ لِلنَّاسِ لَكِنْ غَلَبَ عَلَى مَبْرَكِهَا حَوْلَ الْحَوْضِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ عِنْدَ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ حَتَّى رُوِيَ النَّاسُ وَضَرَبُوا بِعَطَنٍ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ هَمَّامٍ فَلَمْ يَزَلْ يَنْزَعُ حَتَّى تَوَلَّى النَّاسُ وَالْحَوْضُ يَتَفَجَّرُ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي يُونُسَ مَلْآنُ يَنْفَجِرُ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ ظَاهِرُ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الْمُرَادَ خِلَافَةُ عُمَرَ وَقِيلَ هُوَ لِخِلَافَتِهِمَا مَعًا لِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ جَمَعَ شَمْلَ الْمُسْلِمِينَ أَوَّلًا بِدَفْعِ أَهْلِ الرِّدَّةِ وَابْتَدَأَتِ الْفُتُوحُ فِي زَمَانِهِ ثُمَّ عَهِدَ إِلَى عُمَرَ فَكَثُرَتْ فِي خِلَافَتِهِ الْفُتُوحُ وَاتَّسَعَ أَمْرُ الْإِسْلَامِ وَاسْتَقَرَّتْ قَوَاعِدُهُ وَقَالَ غَيْرُهُ مَعْنَى عِظَمِ الدَّلْوِ فِي يَدِ عُمَرَ كَوْنُ الْفُتُوحِ كَثُرَتْ فِي زَمَانِهِ وَمَعْنَى اسْتَحَالَتْ انْقَلَبَتْ عَنِ الصِّغَرِ إِلَى الْكِبَرِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ قَالُوا هَذَا الْمَنَامُ مِثَالٌ لِمَا جَرَى لِلْخَلِيفَتَيْنِ مِنْ ظُهُورِ آثَارِهِمَا الصَّالِحَةِ وَانْتِفَاعِ النَّاسِ بِهِمَا وَكُلُّ ذَلِكَ مَأْخُوذٌ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُ صَاحِبُ الْأَمْرِ فَقَامَ بِهِ أَكْمَلَ قِيَامٍ وَقَرَّرَ قَوَاعِدَ الدِّينِ ثُمَّ خَلَفَهُ أَبُو بَكْرٍ فَقَاتَلَ أَهْلَ الرِّدَّةِ وَقَطَعَ دَابِرَهُمْ ثُمَّ خَلَفَهُ عُمَرُ فَاتَّسَعَ الْإِسْلَامُ فِي زَمَنِهِ فَشَبَّهَ أَمْرَ الْمُسْلِمِينَ بِقَلِيبٍ فِيهِ الْمَاءُ الَّذِي فِيهِ حَيَاتُهُمْ وَصَلَاحُهُمْ وَشَبَّهَ بِالْمُسْتَقِي لَهُمْ مِنْهَا وَسَقْيُهُ هُوَ قِيَامُهُ بِمَصَالِحِهِمْ وَفِي قَوْلِهِ لِيُرِيحَنِي إِشَارَةٌ إِلَى خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ بَعْدَ مَوْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّ فِي الْمَوْتِ رَاحَةً مِنْ كَدَرِ الدُّنْيَا وَتَعَبِهَا فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ بِتَدْبِيرِ أَمْرِ الْأُمَّةِ وَمُعَانَاةِ أَحْوَالِهِمْ وَأَمَّا قَوْلُهُ وَفِي نَزْعِهِ ضَعْفٌ فَلَيْسَ فِيهِ حَطٌّ مِنْ فَضِيلَتِهِ وَإِنَّمَا هُوَ إِخْبَارٌ عَنْ حَالِهِ فِي قِصَرِ مُدَّةِ وِلَايَتِهِ وَأَمَّا وِلَايَةُ عُمَرَ فَإِنَّهَا لَمَّا طَالَتْ كَثُرَ انْتِفَاعُ النَّاسِ بِهَا وَاتَّسَعَتْ دَائِرَةُ الْإِسْلَامِ بِكَثْرَةِ الْفُتُوحِ وَتَمْصِيرِ الْأَمْصَارِ وَتَدْوِينِ الدَّوَاوِينِ وَأَمَّا قَوْلُهُ وَاللَّهُ يَغْفِرُ لَهُ فَلَيْسَ فِيهِ نَقْصٌ لَهُ وَلَا إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ وَقَعَ مِنْهُ ذَنْبٌ وَإِنَّمَا هِيَ كَلِمَةٌ كَانُوا يَقُولُونَهَا يُدَعِّمُونَ بِهَا الْكَلَام وَفِي الحَدِيث إِعْلَام بخلافتهما وَصِحَّة وَلَا يتهما وَكَثْرَةِ الِانْتِفَاعِ بِهِمَا فَكَانَ كَمَا قَالَ وَقَالَ بن الْعَرَبِيِّ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالدَّلْوِ التَّقْدِيرَ الدَّالَّ عَلَى قِصَرِ الْحَظِّ بَلِ الْمُرَادُ التَّمَكُّنُ مِنَ الْبِئْرِ وَقَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْمَذْكُورَةِ بِدَلْوِ بَكْرَةَ فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى صِغَرِ الدَّلْوِ قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ غَرْبًا وَأَخْرَجَ أَبُو ذَرٍّ الْهَرَوِيُّ فِي كِتَابِ الرُّؤْيَا من حَدِيث بن مَسْعُودٍ نَحْوَ حَدِيثِ الْبَابِ لَكِنْ قَالَ فِي آخِرِهِ فَعَبِّرْهَا يَا أَبَا بَكْرٍ قَالَ أَلِيَ الْأَمْرُ بَعْدَكَ وَيَلِيهِ بَعْدِي عُمَرُ قَالَ كَذَلِكَ عَبَرَهَا الْمُلْكُ وَفِي سَنَدِهِ أَيُّوبُ بْنُ جَابِرٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ مُنْكَرَةٌ وَقَدْ وَرَدَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ بِزِيَادَةٍ فِيهِ فَأخْرج أَحْمد وَأَبُو

الصفحة 413