كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 12)

بِتَعْبِيرِهَا مِنْ غَيْرِهِ فَلَمَّا طَلَبَ تَعْبِيرَهَا كَانَ ذَلِكَ خَطَأً فَقَالَ أَخْطَأْتَ بَعْضًا لِهَذَا الْمَعْنَى وَالْمرَاد بقوله قيل بن قُتَيْبَةَ فَإِنَّهُ الْقَائِلُ لِذَلِكَ فَقَالَ إِنَّمَا أَخْطَأَ فِي مُبَادَرَتِهِ بِتَفْسِيرِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْمُرَهُ بِهِ وَوَافَقَهُ جَمَاعَةٌ عَلَى ذَلِكَ وَتَعَقَّبَهُ النَّوَوِيُّ تَبَعًا لِغَيْرِهِ فَقَالَ هَذَا فَاسِدٌ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَذِنَ لَهُ فِي ذَلِكَ وَقَالَ أعبرها قلت مُرَاد بن قُتَيْبَةَ أَنَّهُ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ ابْتِدَاءً بَلْ بَادَرَ هُوَ فَسَأَلَ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ فِي تَعْبِيرِهَا فَأَذِنَ لَهُ فَقَالَ أَخْطَأْتَ فِي مُبَادَرَتِكَ لِلسُّؤَالِ أَنْ تَتَوَلَّى تَعْبِيرَهَا لَا أَنَّهُ أَرَادَ أَخْطَأْتَ فِي تَعْبِيرِكَ لَكِنْ فِي إِطْلَاقِ الْخَطَإِ عَلَى ذَلِكَ نَظَرٌ لِأَنَّهُ خِلَافُ مَا يَتَبَادَرُ لِلسَّمْعِ مِنْ جَوَابِ قَوْلِهِ هَلْ أَصَبْتَ فَإِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ أَرَادَ الْإِصَابَةَ وَالْخَطَأَ فِي تَعْبِيرِهِ لَا لِكَوْنِهِ الْتَمَسَ التَّعْبِيرَ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ بن التِّينِ وَمَنْ بَعْدَهُ الْأَشْبَهُ بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ أَنَّ الْخَطَأَ فِي تَأْوِيلِ الرُّؤْيَا أَيْ أَخْطَأْتَ فِي بَعْضِ تَأْوِيلِكَ قُلْتُ وَيُؤَيِّدُهُ تَبْوِيبُ الْبُخَارِيِّ حَيْثُ قَالَ مَنْ لَمْ يَرَ الرُّؤْيَا لِأَوَّلِ عَابِرٍ إِذا لم يصب وَنقل بن التِّينِ عَنْ أَبِي مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي زَيْدٍ وَأَبِي مُحَمَّدٍ الْأَصِيلِيِّ وَالدَّاوُدِيِّ نَحْوَ مَا نَقَلَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ وَلَفْظُهُمْ أَخْطَأَ فِي سُؤَالِهِ أَنْ يَعْبُرَهَا وَفِي تَعْبِيرِهِ لَهَا بِحَضْرَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ بن هُبَيْرَةَ إِنَّمَا كَانَ الْخَطَأُ لِكَوْنِهِ أَقْسَمَ لَيَعْبُرَنَّهَا بِحَضْرَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَوْ كَانَ الْخَطَأُ فِي التَّعْبِيرِ لَمْ يُقِرَّهُ عَلَيْهِ وَأَمَّا قَوْلُهُ لَا تُقْسِمُ فَمَعْنَاهُ أَنَّكَ إِذَا تَفَكَّرْتَ فِيمَا أَخْطَأْتَ بِهِ عَلِمْتَهُ قَالَ وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ أَرَادَ أَنْ يَعْبُرَهَا فَيَسْمَعُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يَقُولُهُ فَيَعْرِفَ أَبُو بَكْرٍ بِذَلِكَ عِلْمَ نَفْسِهِ لِتَقْرِيرِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ بن التِّينِ وَقِيلَ أَخْطَأَ لِكَوْنِ الْمَذْكُورِ فِي الرُّؤْيَا شَيْئَيْنِ الْعَسَلَ وَالسَّمْنَ فَفَسَّرَهُمَا بِشَيْءٍ وَاحِدٍ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُفَسِّرَهُمَا بِالْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ ذَكَرَ ذَلِكَ عَنِ الطَّحَاوِيِّ قُلْتُ وَحَكَاهُ الْخَطِيبُ عَنْ أَهْلِ الْعلم بالتعبير وَجزم بِهِ بن الْعَرَبِيِّ فَقَالَ قَالُوا هُنَا وَهِمَ أَبُو بَكْرٍ فَإِنَّهُ جَعَلَ السَّمْنَ وَالْعَسَلَ مَعْنًى وَاحِدًا وَهُمَا مَعْنَيَانِ الْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ قَالَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ السَّمْنُ وَالْعَسَلُ الْعِلْمَ وَالْعَمَلَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَا الْفَهم وَالْحِفْظ وأيد بن الْجَوْزِيِّ مَا نُسِبَ لِلطَّحَاوِيِّ بِمَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ رَأَيْتُ فِيمَا يَرَى النَّائِمُ كَأَنَّ فِي إِحْدَى إِصْبَعَيَّ سَمْنًا وَفِي الْأُخْرَى عَسَلًا فَأَلْعَقُهُمَا فَلَمَّا أَصْبَحْتُ ذَكَرَتْ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ تَقْرَأُ الْكِتَابَيْنِ التَّوْرَاةَ وَالْفُرْقَانَ فَكَانَ يَقْرَؤُهُمَا قُلْتُ فَفَسَّرَ الْعَسَلَ بِشَيْءٍ وَالسَّمْنَ بِشَيْءٍ قَالَ النَّوَوِيُّ قِيلَ إِنَّمَا لَمْ يَبَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَسَمَ أَبِي بَكْرٍ لِأَنَّ إِبْرَارَ الْقَسَمِ مَخْصُوصٌ بِمَا إِذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَفْسَدَةٌ وَلَا مَشَقَّةٌ ظَاهِرَةٌ فَإِنْ وُجِدَ ذَلِكَ فَلَا إِبْرَارَ وَلَعَلَّ الْمَفْسَدَةَ فِي ذَلِكَ مَا عَلِمَهُ مِنْ سَبَبِ انْقِطَاعِ السَّبَبِ بِعُثْمَانَ وَهُوَ قَتْلُهُ وَتِلْكَ الْحُرُوبُ وَالْفِتَنُ الْمُتَرَتِّبَةُ عَلَيْهِ فَكَرِهَ ذِكْرَهَا خَوْفَ شُيُوعِهَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ سَبَبُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ ذَكَرَ لَهُ السَّبَبَ لَلَزِمَ مِنْهُ أَنْ يُوَبِّخَهُ بَيْنَ النَّاسِ لِمُبَادَرَتِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ خَطَؤُهُ فِي تَرْكِ تَعْيِينِ الرِّجَالِ الْمَذْكُورِينَ فَلَوْ أَبَرَّ قَسَمَهُ لَلَزِمَ أَنْ يُعَيِّنَهُمْ وَلَمْ يُؤْمَرْ بِذَلِكَ إِذْ لَوْ عَيَّنَهُمْ لَكَانَ نَصًّا عَلَى خِلَافَتِهِمْ وَقَدْ سَبَقَتْ مَشِيئَةُ اللَّهِ أَنَّ الْخِلَافَةَ تَكُونُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَتَرَكَ تَعْيِينَهُمْ خَشْيَةَ أَنْ يَقَعَ فِي ذَلِكَ مَفْسَدَةٌ وَقِيلَ هُوَ عِلْمُ غَيْبٍ فَجَازَ أَنْ يَخْتَصَّ بِهِ وَيُخْفِيَهُ عَنْ غَيْرِهِ وَقِيلَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ أَخْطَأْتَ وَأَصَبْتَ أَنَّ تَعْبِيرَ الرُّؤْيَا مَرْجِعُهُ الظَّنُّ وَالظَّنَّ يُخْطِئُ وَيُصِيبُ وَقِيلَ لَمَّا أَرَادَ الِاسْتِبْدَادَ وَلَمْ يَصْبِرْ حَتَّى يُفَادَ جَازَ مَنْعُهُ مَا يُسْتَفَادُ فَكَانَ الْمَنْعُ كَالتَّأْدِيبِ لَهُ عَلَى ذَلِكَ قُلْتُ وَجَمِيعُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ لَفْظِ الْخَطَإِ وَالتَّوَهُّمِ وَالتَّأْدِيبِ وَغَيْرِهِمَا إِنَّمَا أَحْكِيهِ عَنْ قَائِلِهِ وَلَسْتُ رَاضِيًا بِإِطْلَاقِهِ فِي حَقِّ الصِّدِّيقِ وَقِيلَ الْخَطَأُ فِي خَلْعِ عُثْمَانَ لِأَنَّهُ فِي الْمَنَامِ رَأَى أَنَّهُ آخِذٌ بِالسَّبَبِ فَانْقَطَعَ بِهِ وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى انْخِلَاعِهِ بِنَفْسِهِ وَتَفْسِيرُ أَبِي بَكْرٍ بِأَنَّهُ يَأْخُذُ بِهِ رَجُلٌ فَيَنْقَطِعُ بِهِ ثُمَّ يُوصَلُ لَهُ وَعُثْمَانُ قَدْ قُتِلَ قَهْرًا وَلَمْ يَخْلَعْ نَفْسَهُ فَالصَّوَابُ أَنْ يُحْمَلَ وَصْلُهُ عَلَى وِلَايَةِ غَيْرِهِ وَقِيلَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ تَرَكَ إِبْرَارَ الْقَسَمِ لِمَا يَدْخُلُ فِي النُّفُوسِ لَا سِيَّمَا مِنَ

الصفحة 436