كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 12)

أَبِي الزُّبَيْرِ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ الْمُغِيرَةِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ لَكِنْ أَبُو الزُّبَيْرِ مُدَلِّسٌ أَيْضًا وَقَدْ عَنْعَنَهُ عَنْ جَابر لَكِن أخرجه بن حِبَّانَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ جَابِرٍ بِمُتَابَعَةِ أَبِي الزُّبَيْرِ فَقَوِيَ الْحَدِيثُ وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى الْعَمَل بِهِ إِلَّا من شدّ فَنقل بن الْمُنْذِرِ عَنْ إِيَاسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ أَنَّهُ قَالَ الْمُخْتَلِسُ يُقْطَعُ كَأَنَّهُ أَلْحَقَهُ بِالسَّارِقِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْأَخْذِ خُفْيَةً وَلَكِنَّهُ خِلَافُ مَا صُرِّحَ بِهِ فِي الْخَبَرِ وَإِلَّا مَا ذَكَرَ مَنْ قَطَعَ جَاحِدَ الْعَارِيَةِ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنْ لَا قَطْعَ عَلَى الْخَائِنِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ وَلَا عَلَى الْمُنْتَهِبِ إِلَّا إِنْ كَانَ قَاطِعَ طَرِيقٍ وَاللَّهُ أعلم وعارضه غَيره مِمَّن خَالف فَقَالَ بن الْقَيِّمِ الْحَنْبَلِيُّ لَا تَنَافِيَ بَيْنَ جَحْدِ الْعَارِيَةِ وَبَيْنَ السَّرِقَةِ فَإِنَّ الْجَحْدَ دَاخِلٌ فِي اسْمِ السَّرِقَةِ فَيُجْمَعُ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ بِأَنَّ الَّذِينَ قَالُوا سُرِقَتْ أَطْلَقُوا عَلَى الْجَحْدِ سَرِقَةً كَذَا قَالَ وَلَا يَخْفَى بُعْدُهُ قَالَ وَالَّذِي أَجَابَ بِهِ الْخَطَّابِيُّ مَرْدُودٌ لِأَنَّ الْحُكْمَ الْمُرَتِّبَ عَلَى الْوَصْفِ مَعْمُولٌ بِهِ وَيُقَوِّيهِ أَنَّ لَفْظَ الْحَدِيثِ وَتَرْتِيبَهُ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ الْقَطْعُ عَلَى السَّرِقَةِ وَفِي الْأُخْرَى عَلَى الْجَحْدِ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٌ وَتَرْتِيبُ الحكم على الْوَصْف يشْعر بالعلية فَكل من الرِّوَايَتَيْنِ دَال عَلَى أَنَّ عِلَّةَ الْقَطْعِ كُلٌّ مِنَ السَّرِقَةِ وَجَحْدِ الْعَارِيَةِ عَلَى انْفِرَادِهِ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّ سِيَاق حَدِيث بن عُمَرَ لَيْسَ فِيهِ ذِكْرٌ لِلسَّرِقَةِ وَلَا لِلشَّفَاعَةِ مِنْ أُسَامَةَ وَفِيهِ التَّصْرِيحُ بِأَنَّهَا قُطِعَتْ فِي ذَلِكَ وَأَبْسَطُ مَا وَجَدْتُ مِنْ طُرُقِهِ مَا أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ فِي رِوَايَةٍ لَهُ أَنَّ امْرَأَةً كَانَتْ تَسْتَعِيرُ الْحُلِيَّ فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَعَارَتْ مِنْ ذَلِكَ حُلِيًّا فَجَمَعَتْهُ ثُمَّ أَمْسَكَتْهُ فَقَامَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لِتَتُبِ امْرَأَةٌ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَتُؤَدِّ مَا عِنْدَهَا مِرَارًا فَلَمْ تَفْعَلْ فَأَمَرَ بِهَا فَقُطِعَتْ وَأَخْرَجَ النَّسَائِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ مِنْ مُرْسَلِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ اسْتَعَارَتْ حُلِيًّا عَلَى لِسَانِ أُنَاسٍ فَجَحَدَتْ فَأَمَرَ بِهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُطِعَتْ وَأَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ أَيْضًا إِلَى سَعِيدٍ قَالَ أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِامْرَأَةٍ فِي بَيْتٍ عَظِيمٍ مِنْ بُيُوتِ قُرَيْشٍ قَدْ أَتَتْ أُنَاسًا فَقَالَتْ إِنَّ آلَ فُلَانٍ يَسْتَعِيرُونَكُمْ كَذَا فَأَعَارُوهَا ثُمَّ أَتَوْا أُولَئِكَ فَأَنْكَرُوا ثُمَّ أَنْكَرَتْ هِيَ فَقَطَعَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ بن دَقِيقِ الْعِيدِ صَنِيعُ صَاحِبِ الْعُمْدَةِ حَيْثُ أَوْرَدَ الْحَدِيثَ بِلَفْظِ اللَّيْثِ ثُمَّ قَالَ وَفِي لَفْظٍ فَذِكْرُ لَفْظِ مَعْمَرٍ يَقْتَضِي أَنَّهَا قِصَّةٌ وَاحِدَةٌ وَاخْتُلِفَ فِيهَا هَلْ كَانَتْ سَارِقَةً أَوْ جَاحِدَةً يَعْنِي لِأَنَّهُ أَوْرَدَ حَدِيثَ عَائِشَةَ بِاللَّفْظِ الَّذِي أَخْرَجَاهُ مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ ثُمَّ قَالَ وَفِي لَفْظٍ كَانَتِ امْرَأَةٌ تَسْتَعِيرُ الْمَتَاعَ وَتَجْحَدُهُ فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَطْعِ يَدِهَا وَهَذِهِ رِوَايَةُ مَعْمَرٍ فِي مُسْلِمٍ فَقَطْ قَالَ وَعَلَى هَذَا فَالْحُجَّةُ فِي هَذَا الْخَبَرِ فِي قَطْعِ الْمُسْتَعِيرِ ضَعِيفَةٌ لِأَنَّهُ اخْتِلَافٌ فِي وَاقِعَةٍ وَاحِدَةٍ فَلَا يُبَتُّ الْحُكْمُ فِيهِ بِتَرْجِيحِ مَنْ رَوَى أَنَّهَا جَاحِدَةٌ عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى يَعْنِي وَكَذَا عَكْسُهُ فَيَصِحُّ أَنَّهَا قُطِعَتْ بِسَبَبِ الْأَمْرَيْنِ وَالْقَطْعُ فِي السَّرِقَةِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فَيَتَرَجَّحُ عَلَى الْقَطْعِ فِي الْجَحْدِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ قُلْتُ وَهَذِهِ أَقْوَى الطُّرُقِ فِي نَظَرِي وَقَدْ تَقَدَّمَ الرَّدُّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْقِصَّةَ وَقَعَتْ لِامْرَأَتَيْنِ فَقُطِعَتَا فِي أَوَائِلِ الْكَلَامِ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ وَالْإِلْزَامُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْقُرْطُبِيُّ فِي أَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ الْقَطْعُ فِي جَحْدِ الْعَارِيَةِ لَلَزِمَ الْقَطْعُ فِي جَحْدِ غَيْرِ الْعَارِيَةِ قَوِيٌّ أَيْضًا فَإِنَّ مَنْ يَقُولُ بِالْقَطْعِ فِي جَحْدِ الْعَارِيَةِ لَا يَقُولُ بِهِ فِي جَحْدِ غَيْرِ الْعَارِيَةِ فَيُقَاسُ الْمُخْتَلَفُ فِيهِ عَلَى الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ إِذْ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِالْقَطْعِ فِي الْجَحْدِ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَأجَاب بن الْقَيِّمِ بِأَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ جَحْدِ الْعَارِيَةِ وَجَحْدِ غَيْرِهَا أَنَّ السَّارِقَ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ وَكَذَلِكَ جَاحِدُ الْعَارِيَةِ بِخِلَافِ الْمُخْتَلِسِ مِنْ غَيْرِ حِرْزٍ وَالْمُنْتَهِبِ قَالَ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْحَاجَةَ مَاسَّةٌ بَيْنَ النَّاسِ إِلَى الْعَارِيَةِ فَلَوْ عَلِمَ الْمُعِيرُ أَنَّ الْمُسْتَعِيرَ إِذَا جَحَدَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لَجَرَّ ذَلِكَ إِلَى سَدِّ بَابِ الْعَارِيَةِ وَهُوَ خِلَافُ مَا تَدُلُّ عَلَيْهِ حِكْمَةُ الشَّرِيعَةِ بِخِلَافِ مَا إِذَا عَلِمَ أَنَّهُ يُقْطَعُ فَإِنَّ ذَلِكَ يَكُونُ أَدْعَى إِلَى اسْتِمْرَارِ الْعَارِيَةِ وَهِيَ مُنَاسَبَةٌ لَا تَقُومُ بِمُجَرَّدِهَا حُجَّةٌ إِذَا ثَبَتَ حَدِيثُ جَابِرٍ فِي أَنْ لَا قَطْعَ عَلَى خائن

الصفحة 92