كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 12)
أَغْلَظَ لَهُ فِي النَّهْيِ حَتَّى نَسَبَهُ إِلَى الْجَهْلِ لِأَنَّ الزَّبْرَ بِفَتْحٍ ثُمَّ سُكُونٍ هُوَ الْعَقْلُ وَفِي رِوَايَةِ يُونُسَ فَكَلَّمَهُ فَتَلَوَّنَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَادَ شُعَيْبٌ عِنْدَ النَّسَائِيِّ وَهُوَ يُكَلِّمُهُ وَفِي مُرْسَلِ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ فَلَمَّا أَقْبَلَ أُسَامَةُ وَرَآهُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا تُكَلِّمْنِي يَا أُسَامَةُ قَوْلُهُ فَقَالَ أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ بِهَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ الْإِنْكَارِيِّ لِأَنَّهُ كَانَ سَبَقَ لَهُ مَنْعُ الشَّفَاعَةِ فِي الْحَدِّ قَبْلَ ذَلِكَ زَادَ يُونُسُ وَشُعَيْبٌ فَقَالَ أُسَامَةُ اسْتَغْفِرْ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَالنَّسَائِيِّ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ سَرَقَتْ فَأُتِيَ بهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فعاذت بِأُمِّ سَلَمَةَ بِذَالٍ مُعْجَمَةٍ أَيِ اسْتَجَارَتْ أَخْرَجَاهُ مِنْ طَرِيقِ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ وَذَكَرَهُ أَبُو دَاوُدَ تَعْلِيقًا وَالْحَاكِمُ مَوْصُولًا مِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ فَعَاذَتْ بِزَيْنَبَ بِنْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ عَاذَتْ بِكُلٍّ مِنْهُمَا وَتَعَقَّبَهُ شَيْخُنَا فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ بِأَنَّ زَيْنَبُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ مَاتَتْ قَبْلَ هَذِهِ الْقِصَّةِ لِأَنَّ هَذِهِ الْقِصَّةَ كَمَا تَقَدَّمَ كَانَتْ فِي غَزْوَةِ الْفَتْحِ وَهِيَ فِي رَمَضَانَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَكَانَ مَوْتُ زَيْنَبَ قَبْلَ ذَلِكَ فِي جُمَادَى الْأُولَى مِنَ السَّنَةِ فَلَعَلَّ الْمُرَادَ أَنَّهَا عَاذَتْ بِزَيْنَبَ رَبِيبَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ بِنْتُ أُمِّ سَلَمَةَ فَتَصَحَّفَتْ عَلَى بَعْضِ الرُّوَاةِ قُلْتُ أَوْ نُسِبَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ أُمِّ سَلَمَةَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَجَازًا لِكَوْنِهَا رَبِيبَتَهُ فَلَا يَكُونُ فِيهِ تَصْحِيفٌ ثُمَّ قَالَ شَيْخُنَا وَقَدْ أَخْرَجَ أَحْمد هَذَا الحَدِيث من طَرِيق بن أَبِي الزِّنَادِ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ وَقَالَ فِيهِ فَعَاذَتْ بِرَبِيبِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَاءٍ وَمُوَحَّدَةٍ مَكْسُورَةٍ وَحَذْفِ لَفْظِ بِنْتٍ وَقَالَ فِي آخِره قَالَ بن أَبِي الزِّنَادِ وَكَانَ رَبِيبُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَلَمَةَ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ وَعُمَرَ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ فَعَاذَتْ بِأَحَدِهِمَا قُلْتُ وَقَدْ ظَفِرْتُ بِمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ عُمَرُ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ فَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ مِنْ مُرْسَلِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ سَرَقَتِ امْرَأَةٌ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ فَجَاءَ عُمَرُ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ فَقَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْ أَبَهْ إِنَّهَا عَمَّتِي فَقَالَ لَوْ كَانَتْ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ لَقَطَعْتُ يَدَهَا قَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ الرَّاوِي عَنِ الْحَسَنِ فَلَمْ أَشُكَّ أَنَّهَا بِنْتُ الْأَسْوَدِ بْنِ عَبْدِ الْأَسَدِ قُلْتُ وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ جَابِرٍ فَإِنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهَا اسْتَجَارَتْ بِأُمِّ سَلَمَةَ وبأولادها وَاخْتَصَّهَا بِذَلِكَ لِأَنَّهَا قَرِيبَتُهَا وَزَوْجَهَا عَمُّهَا وَإِنَّمَا قَالَ عُمَرُ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ عَمَّتِي مِنْ جِهَةِ السِّنِّ وَإِلَّا فَهِيَ بِنْتُ عَمِّهِ أَخِي أَبِيهِ وَهُوَ كَمَا قَالَتْ خَدِيجَةُ لِوَرَقَةَ فِي قصَّة المبعث أَي عَم أسمع من بن أَخِيك وَهُوَ بن عَمِّهَا أَخِي أَبِيهَا أَيْضًا وَوَقَعَ عِنْدَ أَبِي الشَّيْخِ مِنْ طَرِيقِ أَشْعَثَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ سَرَقَتْ فَعَاذَتْ بِأُسَامَةَ وَكَأَنَّهَا جَاءَتْ مَعَ قَوْمِهَا فَكَلَّمُوا أُسَامَةَ بَعْدَ أَنِ اسْتَجَارَتْ بِأُمِّ سَلَمَةَ وَوَقَعَ فِي مُرْسَلِ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ فَاسْتَشْفَعُوا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِغَيْرِ وَاحِدٍ فَكَلَّمُوا أُسَامَةَ قَوْلُهُ ثُمَّ قَامَ فَخَطَبَ فِي رِوَايَةِ قُتَيْبَةَ فَاخْتَطَبَ وَفِي رِوَايَةِ يُونُسَ فَلَمَّا كَانَ الْعَشِيُّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطِيبًا قَوْلُهُ فَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ فِي رِوَايَةِ قُتَيْبَةَ بِحَذْفِ يَا مِنْ أَوَّلِهِ وَفِي رِوَايَةِ يُونُسَ فَقَامَ خَطِيبًا فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قَالَ أَمَّا بَعْدُ قَوْلُهُ إِنَّمَا ضَلَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْوَلِيدِ هَلَكَ وَكَذَا لِمُحَمَّدِ بْنِ رُمْحٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَفِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ عِنْدَ النَّسَائِيِّ إِنَّمَا هَلَكَ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَفِي رِوَايَةِ قُتَيْبَةَ أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قبلكُمْ قَالَ بن دَقِيقِ الْعِيدِ الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا الْحَصْرَ لَيْسَ عَامًّا فَإِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَ فِيهِمْ أُمُورٌ كَثِيرَةٌ تَقْتَضِي الْإِهْلَاكَ فَيُحْمَلُ ذَلِكَ عَلَى حَصْرٍ الْمَخْصُوص وَهُوَ الْإِهْلَاكُ بِسَبَبِ الْمُحَابَاةِ فِي الْحُدُودِ فَلَا يَنْحَصِرُ ذَلِكَ فِي حَدِّ السَّرِقَةِ قُلْتُ يُؤَيِّدُ هَذَا الِاحْتِمَالَ مَا أَخْرَجَهُ أَبُو الشَّيْخِ فِي كِتَابِ السَّرِقَةِ مِنْ طَرِيقِ زَاذَانَ عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا أَنَّهُمْ عَطَّلُوا الْحُدُودَ عَنِ الْأَغْنِيَاءِ وَأَقَامُوهَا عَلَى الضُّعَفَاءِ وَالْأُمُورُ الَّتِي أَشَارَ إِلَيْهَا الشَّيْخُ سَبَقَ مِنْهَا فِي ذِكْرِ
الصفحة 94