كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 12)

لَجَازَ أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ بِصِدْقِ الْقَاذِفِ فَكَانَتْ تِلْكَ شُبْهَةً قَوِيَّةً وَفِيهِ دُخُولُ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ فِي حَدِّ السَّرِقَةِ وَفِيهِ قَبُولُ تَوْبَةِ السَّارِقِ وَمَنْقَبَةٌ لِأُسَامَةَ وَفِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلَامُ عِنْدَ أَبِيهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَعْظَمِ الْمَنَازِلِ فَإِنَّ فِي الْقِصَّةِ إِشَارَةً إِلَى أَنَّهَا الْغَايَةُ فِي ذَلِك عِنْده ذكره بن هُبَيْرَةَ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ مُنَاسَبَةُ اخْتِصَاصِهَا بِالذِّكْرِ دُونَ غَيْرِهَا مِنْ رِجَالِ أَهْلِهِ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهَا أَفْضَلُ مِنْ عَائِشَةَ لِأَنَّ مِنْ جُمْلَةِ مَا تَقَدَّمَ مِنَ الْمُنَاسَبَةِ كَوْنَ اسْمِ صَاحِبَةِ الْقِصَّةِ وَافَقَ اسْمَهَا وَلَا تَنْتَفِي الْمُسَاوَاةُ وَفِيهِ تَرْكُ الْمُحَابَاةِ فِي إِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَى مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ وَلَوْ كَانَ وَلَدًا أَوْ قَرِيبًا أَوْ كَبِيرَ الْقَدْرِ وَالتَّشْدِيدُ فِي ذَلِكَ وَالْإِنْكَارُ عَلَى مَنْ رَخَّصَ فِيهِ أَوْ تَعَرَّضَ لِلشَّفَاعَةِ فِيمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ وَفِيهِ جَوَازُ ضَرْبِ الْمَثَلِ بِالْكَبِيرِ الْقَدْرِ لِلْمُبَالَغَةِ فِي الزَّجْرِ عَنِ الْفِعْلِ وَمَرَاتِبُ ذَلِكَ مُخْتَلِفَةٌ وَلَا يَحِقُّ نَدْبُ الِاحْتِرَازِ مِنْ ذَلِكَ حَيْثُ لَا يَتَرَجَّحُ التَّصْرِيحُ بِحَسَبِ الْمَقَامِ كَمَا تَقَدَّمَ نَقْلُهُ عَنِ اللَّيْثِ وَالشَّافِعِيِّ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ جَوَازُ الْإِخْبَارِ عَنْ أَمْرٍ مُقَدَّرٍ يُفِيدُ الْقَطْعَ بِأَمْرٍ مُحَقَّقٍ وَفِيهِ أَنَّ مَنْ حَلَفَ عَلَى أَمْرٍ لَا يَتَحَقَّقُ أَنَّهُ يَفْعَلُهُ أَوْ لَا يَفْعَلُهُ لَا يَحْنَثُ كَمَنْ قَالَ لِمَنْ خَاصَمَ أَخَاهُ وَاللَّهِ لَوْ كُنْتَ حَاضِرًا لَهَشَّمْتُ أَنْفَكَ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ يَحْنَثُ مُطْلَقًا وَفِيهِ جَوَازُ التَّوَجُّعِ لِمَنْ أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ بعد إِقَامَته عَلَيْهِ وَقد حكى بن الْكَلْبِيِّ فِي قِصَّةِ أُمِّ عَمْرٍو بِنْتِ سُفْيَانَ أَنَّ امْرَأَةَ أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ أَوَتْهَا بَعْدَ أَنْ قُطِعَتْ وَصَنَعَتْ لَهَا طَعَامًا وَأَنَّ أُسَيْدًا ذَكَرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَالْمُنْكِرِ عَلَى امْرَأَتِهِ فَقَالَ رَحِمَتْهَا رَحِمَهَا اللَّهُ وَفِيهِ الِاعْتِبَارُ بِأَحْوَالِ مَنْ مَضَى مِنَ الْأُمَمِ وَلَا سِيَّمَا مَنْ خَالَفَ أَمْرَ الشَّرْعِ وَتَمَسَّكَ بِهِ بَعْضُ مَنْ قَالَ أَنَّ شَرْعَ مَنْ قَبْلَنَا شَرْعٌ لَنَا لِأَنَّ فِيهِ إِشَارَةً إِلَى تَحْذِيرٍ مِنْ فِعْلِ الشَّيْءِ الَّذِي جَرَّ الْهَلَاكَ إِلَى الَّذين من قبلنَا لِئَلَّا يهْلك كَمَا هَلَكُوا وَفِيهِ نَظَرٌ وَإِنَّمَا يَتِمُّ أَنْ لَوْ لَمْ يَرِدْ قَطْعُ السَّارِقِ فِي شَرْعِنَا وَأَمَّا اللَّفْظُ الْعَامُّ فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى الْمُدَّعِي أصلا

الصفحة 96