كتاب عون المعبود وحاشية ابن القيم (اسم الجزء: 12)
بِمَعْزِلٍ مِنَ الْإِسْلَامِ وَالِاقْتِدَاءُ بِدِينِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السلام (كان النبي مِنْهُمْ) أَيْ مِنَ النَّبِيِّينَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا وَحَكَمُوا بالتوراة فإنه قَدْ حَكَمَ بِالتَّوْرَاةِ
قَالَ فَإِنِّي أَحْكُمُ بِمَا فِي التَّوْرَاةِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِيهِ رَجُلٌ مِنْ مُزَيْنَةَ وَهُوَ مَجْهُولٌ
[4451] (حِينَ قَدِمَ) ظَرْفٌ لِقَوْلِهِ زَنَى (رَسُولُ الله المدينة) ليس أنه وقع واقعة الزنى حين قدم الْمَدِينَةَ عَلَى الْفَوْرِ لِمَا فِي الرِّوَايَاتِ الصَّحِيحَةِ عَلَى مَا قَالَ الْحَافِظُ أَنَّهُمْ تَحَاكَمُوا إِلَيْهِ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ بَيْنَ أَصْحَابِهِ وَالْمَسْجِدُ لَمْ يَكُنْ بِنَاؤُهُ إِلَّا بَعْدَ مُدَّةٍ مِنْ دُخُولِهِ (بِحَبْلٍ مَطْلِيٍّ) اسْمُ مَفْعُولٍ بِوَزْنِ مَرْمِيٍّ أَيْ بِحَبْلٍ مُلَطَّخٍ (بِقَارٍ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْقِيرُ بِالْكَسْرِ وَالْقَارُ شَيْءٌ أَسْوَدُ يُطْلَى بِهِ السُّفُنُ وَالْإِبِلُ أَوْ هُمَا الزِّفْتُ انْتَهَى (فَاجْتَمَعَ أَحْبَارٌ) جَمْعُ حَبْرٍ بِمَعْنَى الْعَالِمِ أَيْ عُلَمَاءٌ مِنْ عُلَمَائِهِمْ (فَقَالُوا) أَيِ الْأَحْبَارُ لِلَّذِينَ بَعَثُوهُمْ (وَلَمْ يكونوا من أهل دينه) لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَهُودَ (فَخُيِّرَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ مِنَ التَّخْيِيرِ (فِي ذَلِكَ) أَيْ فِي الْحُكْمِ (قَالَ) أَيْ أَبُو هُرَيْرَةَ أَوْ دُونَهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (فَإِنْ جَاءُوكَ) أَيْ جَاءَكَ الْيَهُودُ وَتَحَاكَمُوا إِلَيْكَ (فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ) أَيِ اقْضِ بَيْنَهُمْ (أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ) أَيْ عَنِ الْحُكْمِ وَالْقَضَاءِ بَيْنَهُمْ
وفيه تخيير لرسول الله بَيْنَ الْحُكْمِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْإِعْرَاضِ عَنْهُمْ
وَقَدِ اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ حُكَّامَ الْمُسْلِمِينَ مُخَيَّرُونَ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ
وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى حُكَّامِ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَحْكُمُوا بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ إِذَا تَرَافَعَا إِلَيْهِمْ وَاخْتَلَفُوا فِي أَهْلِ الذِّمَّةِ إِذَا تَرَافَعُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى التَّخْيِيرِ وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ وَالشَّعْبِيُّ وَالنَّخَعِيُّ وَالزُّهْرِيُّ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ
وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى الْوُجُوبِ وَقَالُوا إِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا
الصفحة 92