كتاب التفسير الوسيط لطنطاوي (اسم الجزء: 12)

لخرشائها- أى: لجلدها- فاستعير ذلك لإزالة الضوء وكشفه عن مكان الليل، وملقى ظله «1» .
أى: ومن البراهين والعلامات الواضحة، الدالة على وحدانية الله، وقدرته على إحياء الموتى، وجود الليل والنهار بهذه الطريقة التي نشاهدها، حيث ينزع- سبحانه- عن الليل النهار، فيبقى لليل ظلامه، ويصير الناس في ليل مظلم، بعد أن كانوا في نهار مضيء.
فمعنى: فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ: فإذا هم داخلون في الظلام، بعد أن كانوا بعيدين عنه.
يقال: أظلم القوم. إذا دخلوا في الظلام. وأصبحوا، إذا دخلوا في وقت الصباح.
وقوله- تعالى-: وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها بيان لدليل آخر على قدرته- تعالى- وهو معطوف على قوله- تعالى- قبل ذلك: وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ ...
قال الآلوسى ما ملخصه: وقوله: لِمُسْتَقَرٍّ لَها أى لحد معين تنتهي إليه.. شبه بمستقر المسافر إذا انتهى من سيره، والمستقر عليه اسم مكان، واللام بمعنى إلى..
ويصح أن يكون اسم زمان، على أنها تجرى إلى وقت لها لا تتعداه، وعلى هذا فمستقرها:
انتهاء سيرها عند انقضاء الدنيا.. «2» .
والمعنى: وآية أخرى لهم على قدرتنا، وهي أن الشمس تجرى إلى مكان معين لا تتعداه، وإلى زمن محدد لا تتجاوزه، وهذا المكان وذلك الزمان، كلاهما لا يعلمه إلا الله- تعالى-.
قال بعض العلماء: قوله- تعالى-: وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها أى: والشمس تدور حول نفسها، وكان المظنون أنها ثابتة في موضعها الذي تدور فيه حول نفسها. ولكن عرف أخيرا أنها ليست مستقرة في مكانها، وإنما هي تجرى فعلا.. تجرى في اتجاه واحد، في هذا الفضاء الكونى الهائل بسرعة حسبها الفلكيون باثنى عشر ميلا في الثانية.
والله ربها الخبير بجريانها وبمصيرها يقول: إنها تجرى لمستقر لها، هذا المستقر الذي ستنتهى إليه لا يعلمه إلا هو- سبحانه- ولا يعلم موعده سواه.
وحين نتصور أن حجم هذه الشمس يبلغ نحو مليون ضعف لحجم أرضنا هذه، وأن هذه الكتلة الهائلة تتحرك أو تجرى في الفضاء لا يسندها شيء، حين نتصور ذلك، ندرك طرفا من صفة القدرة التي تصرف هذا الوجود عن قوة وعن علم «3» .
__________
(1) تفسير الكشاف ج 4 ص 16.
(2) تفسير الآلوسى ج 23 ص 12.
(3) تفسير في ظلال القرآن ج 23 ص 25.

الصفحة 32