كتاب التفسير الوسيط لطنطاوي (اسم الجزء: 12)

لَهُمْ فِيها أى في الجنة فاكِهَةٌ كثيرة متنوعة وَلَهُمْ ما يَدَّعُونَ أى: ولهم فوق ذلك جميع ما يطلبونه من مطالب وما يتمنونه من أمنيات.
فقوله: يَدَّعُونَ يصح أن يكون من الدعاء بمعنى الطلب، كما يصح أن يكون من الادعاء بمعنى التمني.
يقال: ادع علىّ ما شئت أى: تمن علىّ ما شئت. ويقال: فلان في خير ما يدّعى، أى: في خير ما يتمنى.
ثم ختم- سبحانه- هذا العطاء الجزيل للمؤمنين بقوله: سَلامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ.
وللمفسرين في إعراب قوله: سَلامٌ أقوال منها: أنه مبتدأ خبره الناصب للفظ قَوْلًا أى: سلام يقال لهم قولا ... «1» .
وقد أشار صاحب الكشاف إلى بعض هذه الأقوال فقال: وقوله: سَلامٌ بدل من قوله ما يَدَّعُونَ كأنه قال لهم: سلام يقال لهم قولا من جهة رب رحيم.
والمعنى: أن الله- تعالى- يسلم عليهم بواسطة الملائكة، أو بغير واسطة، مبالغة في تكريمهم، وذلك غاية متمناهم.. «2» .
وقد ذكر الإمام ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية بعض الأحاديث، منها ما رواه ابن أبى حاتم- بسنده- عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «بينما أهل الجنة في نعيمهم، إذ سطح لهم نور، فرفعوا رءوسهم فإذا الرب- تعالى- قد أشرف عليهم من فوقهم، فقال: السلام عليكم يا أهل الجنة. فذلك قوله: سَلامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ قال: فينظر إليهم وينظرون إليه، فلا يلتفتون إلى شيء من النعيم ماداموا ينظرون إليه. حتى يحتجب عنهم، ويبقى نوره وبركته عليهم وفي ديارهم» «3» .
والمتأمل في هذه الآيات الكريمة- كما يقول الإمام الفخر الرازي- يراها تشير إلى أن أصحاب الجنة ليسوا في تعب، كما تشير إلى وحدتهم، وإلى حسن المكان، وإلى إعطائهم كل ما يحتاجونه، وإلى تلذذهم بالنعيم وإلى تلقيهم لأجمل تحية..» «4» .
هذا هو حال المؤمنين، وهذا بعض ما يقال لهم من ألفاظ التكريم، فماذا يقال للمجرمين.
__________
(1) راجع حاشية الجمل على الجلالين ج 3 ص 521.
(2) تفسير الكشاف ج 4 ص 22.
(3) تفسير ابن كثير ج 6 ص 570.
(4) راجع تفسير الفخر الرازي ج 7 ص 101.

الصفحة 44