كتاب كوثر المعاني الدراري في كشف خبايا صحيح البخاري (اسم الجزء: 12)

عمر يرى اختصاص الكراهة بما عند طلوع الشمس وعند غروبها, لا مطلق ما بين الصلاة وطلوع الشمس أو غروبها.
وروى ابن أبي شيبة عن ميمون بن مِهران قال: كان ابن عمر يكره الصلاة على الجنازة إذا طلعت الشمس، وحين تغرب، وقد تقدم ذلك عنه، وإلى قول ابن عمر في ذلك ذهب مالك والأوزاعيّ والكوفيون وأحمد وإسحاق. قلت: مشهور مذهب مالك أن الصلاة على الجنازة تباح بعد صلاة العصر إلى الاصفرار، وبعد صلاة الصبح إلى الإِسفار. وقول ابن عمر "وإما أن تتركوها حتى ترتفع الشمس" لا ينافيه.
ثم قال: ويرفع يديه، وصله البخاريّ في كتاب رفع اليدين المفرد عن نافع عن ابن عمر، أنه كان يرفع يديه في كل تكبيرة على الجنازة. وقد روي مرفوعًا. أخرجه الطبرانيّ في الأوسط من وجه آخر عن نافع عن ابن عمر بإسناد ضعيف. قلت: مشهور مذهب مالك ندب رفع اليدين عند التكبيرة الأولى، وهو خلاف الأوْلى عند غيرها.
وروي عن ابن القاسم أنه لا يرفع في شيء منها، وفي سماع أشهب "إن شاء رفع بعد الأُولى، وإن شاء ترك" ومذهب الحنفية كالمالكية: يرفع عند الأُولى فقط، واستدلوا بما أخرجه التِّرمذيُّ عن أبي هُريرة مرفوعًا "إذ صلّى على جنازة يرفع يديه في أول تكبيرة"، زاد الدارقطنيّ "ثم لا يعود". وعند الشافعية يستحب رفع اليدين عند كل تكبيرة من الأربع.
ثم قال: وقال الحسن: أدركت الناس، وأحقهم على جنائزهم من رَضُوه لفرائضهم، وهذا الأثر لم ير موصولًا، وقوله: من رضوه، في رواية الحمويّ والمستملي "من رضوهم" بصيغة الجمع، وفائدة أثر الحَسَنُ هذا بيانُ أنه نقل عن الذين أدركهم، وهم جمهور الصحابة، أنهم كانوا يلحقون صلاة الجنازة بالصلوات التي يجمع فيها.
وقد جاء عن الحسن أن أحق الناس بالصلاة على الجنازة الأب ثم الابن، أخرجه عبد الرزاق، وهي مسألة اختلاف بين أهل العلم، فروى ابن أبي شَيبة عن جماعة، منهم سالم والقاسم وطاوس، أن إمام الحيّ أحق. وقال علقمة والأسود وآخرون: الوالي أحق من الوَلِيّ، وهو قول مالك وأبي حنيفة والأوزاعي وأحمد وإسحاق. وقال أبو يوسف والشافعيّ الوَليُّ أحق من الوالي، ومذهب المالكية أنّ الأوْلى تقديم من أوصى الميت بالصلاة عليه, لأن ذلك من حق الميت إذ هو أعلم بمن يشفع له، إلا أن يعلم ذلك من الميت كان لعداوة بينه وبين الولي، وإنما أراد بذلك إنكاءه فلا تجوز وصيته، فإن لم يكن وصى فالخليفة مقدم على الأولياء، لا نائبه, لأنه لا يقدم على الأولياء إلا أن يكون صاحب الخطبة، فيقدم على المشهور، ثم أقرب العصبة، وعند الاستواء في القرابة يقدم

الصفحة 16