كتاب الدرر السنية في الأجوبة النجدية (اسم الجزء: 12)

مع قومه، حين تلا سورة النجم، وألقى الشيطان عليه في تلاوته: تلك الغرانيق العلى، وإن شفاعتها لترتجى; فلما بلغ السجدة سجد صلى الله عليه وسلم، وسجد المشركون معه كما ذكره المفسرون وأهل السير، حتى إن شيخا رفع كفا من حصى فسجد عليه، حتى إنه أظهر أن محمدا وافقه قومه قريش.
وبلغ الخبر الحبشة والمهاجرين، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فحزن، وخاف من الله خوفا عظيما، حتى أنزل الله {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ} [سورة الحج آية: 52] إلى قوله: {وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ} الآية [سورة الحج آية: 53] .
فالشفاعة المثبتة: أن تطلبها ممن حقيقتها هي له، كقولك: اللهم شفع فِيّ نبيك، ومن شئت من خلقك. اللهم ارزقني شفاعة نبيك يوم القيامة، وأمثال ذلك.
وأما طلب الشفاعة من المخلوقين، وصرف ياء النداء المعهودة في الخطاب تطلبه الشفاعة، أو تستغيث به، فقد صرفت الدعاء للمدعو الذي هو نفس العبادة ومخها، وخالصها، كما قدمنا أنه معظم العبادة، وأنواع العبادة تبع له.
قال تعالى عن زكريا: {إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيّاً} [سورة مريم آية: 3] إلى قوله: {وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيّاً} [سورة مريم آية: 4] .
وقال تعالى: {وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ} [سورة الصافات آية: 75] .
وقال تعالى: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ} [سورة الأنبياء آية: 83] .

الصفحة 497